وفي هذا الصدد يكتب العلامة الطباطبائيّ في تفسيره قائلاً :
( انّ عامّة الآيات المتضمنّة لإقامة العبادات والقيام بأمر الجهاد وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك توجّه خطاباتها إلى عامّة المؤمنين دون النبيّ خاصّةً كقوله تعالى : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ) ( البقرة : ١٩٥ )
وقوله : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ) ( آل عمران : ١٠٤ )
وقوله : ( وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ ) ( المائدة : ٣٥ )
وقوله : ( وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ ) ( الحج : ٧٨ )
وقوله : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) ( البقرة : ١٧٩ )
وقوله : ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ) ( الطلاق : ٢ )
وقوله : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ) ( آل عمران : ١٠٣ )
وقوله : ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) ( الشورى : ١٣ ).
إلى غير ذلك من الآيات التي يستفاد منها أنّ الدين ذو صبغة اجتماعية الشكل وقد حملها الله تعالى على الناس بصفتهم الاجتماعيّة ( كما حمل بعض الاُمور على الافراد بوصفهم الفرديّة ) ولم يرد إقامة الدين إلاّ منهم أجمعهم ، فالمجتمع المتكون منهم هو الذي أمره الله وندبه إلى ذلك من غير مزيّة في ذلك لبعضهم ) (١).
إنّ توجيه الخطاب بهذه التكاليف إلى المجتمع ، إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ المجتمع بما هو مجتمع عليه أن يقوم بها كما يقوم الفرد بواجبه الدينيّ ، وهي على نحو الواجب الكفائّي الذي يجب على الجميع القيام بها أوّلاً وبالذات ، فإن قام بها أحد سقطت عن الآخرين ، وأمّا إذا لم يقم بها أحد كان الجميع عصاةً مسؤولين.
وحيث أنّ هذه التكاليف والواجبات المتوجّهة شرعاً إلى المجتمع ممّا لا يمكن
__________________
(١) الميزان ٤ : ١٢٢ ـ ١٢٣.