فإنّ هذا المنطلق وهذه القاعدة الأصليّة الرصينة في الفكر الإسلاميّ تفرض ، أن تكون حاكميّة غير الله مستندةً إلى حاكميّته سبحانه ، وموضع رضاه تعالى ، فتكون إمّا منصوصاً عليها بالاسم والعين من جانبه تعالى ـ كما أسلفناه ـ ، وإمّا أن تكون موافقةً للصفات والضوابط التي نصّ عليها الكتاب والسنّة ، فلا يكفي في شرعيّة الحكومة والرئاسة مجرد انبثاقها من إرادة الشعب كلّه أو أغلبيّته ، ما لم تكن وفق الضوابط الإلهيّة والمعايير الإسلاميّة المقرّرة في شأن الحاكم.
وهذا أمر منطقيّ ، لأنّ الغرض من إقامة الحكومة في منطق الإسلام إنّما هو إشاعة العدل والحق والأمن ، ولا يتحقق ذلك إلاّ في ظلّ حكومة تكون منطبقةً على المعايير والضوابط الإلهيّة.
ولذلك لا يمكن أن نصف ( الحكومة الإسلاميّة ) في هذه الحال بأنّها : حكومة الشعب على الشعب. بل هي حكومة الله على الشعب بقوانينه وضوابطه ، أو حكومة القانون الإلهيّ.
ولا يهمّ مع ذلك ، الوصف والتسمية ، بعد أن اتضح منشأ الحكومة الإسلاميّة وهو حاكميّة الله ، وحاكميّة قوانينه وضوابطه وأحكامه.
وبذلك يفترق اسلوب الانتخاب الشعبيّ في ظلّ النظام الإسلاميّ عمّا هو متعارف في ظلّ الأنظمة الديمقراطيّة السائدة ، التي تعتمد على السيادة الشعبيّة دون قيد أو مراعاة للمواصفات والمؤهّلات اللازمة في الحاكم والمنتخب ، وهي بذلك تعتبر الحاكميّة حقّاً خاصّاً بالشعب ونابعاً منه ، ومن إجماعه على شيء أو شخص وارتضائه به حقّاً أو باطلاً ، صالحاً أو فاسداً ، وستعرف المواصفات التي يشترطها الإسلام في الحاكم الأعلى في الفصول القادمة ، ويتعّين علينا هنا أوّلاً أن نعرف الأدلّة التي تعطي الاُمّة حقّ اختيار الحاكم أو ارتضائه ـ على الأقل ـ في ظرف عدم التوصُّل إلى الحاكم المنصوص عليه من جانب الله.