والمعصية ، وأنّهما من لوازم الأعمال ، كالملازمة بين النار والحرارة وغيرهما من التكوينيّات.
والثالث : حكم العقل ، بيانه : إنّ حفظ النظام غرض من أغراض العقلاء بالضرورة ، وهم يرون ضرورة تحقّق كلّ ما يؤدّي إلى حفظ النظام ، ومن ذلك المدح والجزاء على العمل الحسن والذم والمؤاخذة على العمل السيّئ ، فالأوامر والنواهي المولويّة ـ سواء المولى الحقيقي أو العرفي ـ لها مصالح ومفاسد ولها دخل في حفظ النظام ، والعمل الحسن يستتبع استحقاق الجزاء الحسن والعمل السّيئ يستتبع استحقاق العقوبة ، فإذا أعطى المولى الجزاء أو عاقب على المعصية وقع في محلّه ، لا أنّه واجبٌ على المولى ذلك وأنّ للعبد المطالبة بالثواب على عمله ، فإنّ هذا لا برهان عليه (١).
أقول :
وقد تكلّم الأُستاذ دام بقاه على الوجه الثالث من هذه الوجوه ومحصّله : أن الحكم بترتّب الثواب والعقاب عقلائي ، وهو حكم عرضي بلحاظ حفظ النظام ، وليس ذاتيّاً ، وأنّ هناك كبرى واحدة تجري في المولى الحقيقي والمولى العرفي ... فناقشه : بأنّ الأحكام العقلائية هي قضايا توافقت عليها آراؤهم حفظاً للنظام ، لكنّ الحاكم باستحقاق الثواب والعقاب على موافقة حكم المولى الحقيقي أو مخالفته هو العقل لا العقلاء ، لأنّ الأحكام العقلائيّة تدور مدار النظام وحفظه ، أمّا حكم العقل بقبح مخالفة المولى الحقيقي فموجود سواء كان هناك عقلاء ونظام أو لم يكن ... فإنّ العقل يرى قبح معصية المولى الحقيقي على كلّ حال ، ولو كان هذا الحكم عقلائيّاً لجازت المعصية حيث لا يوجد نظام أو عقلاء ، أو حيث لا يلزم
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ / ١١٠.