المقدّمة بهذا الإطلاق منحصرةً بأجزاء العلّة التامّة.
وأمّا بالإطلاق الثاني ، فيصدق على الأجزاء عنوان «المقدّمة» ، لكنّ الكلام ليس في عنوان «الجزء» وعنوان «الكلّ» ، لعدم وجود التوقّف بين العنوانين المذكورين ، بل هما في مرتبةٍ واحدةٍ ، ولا تأخّر وتقدّم بينهما ، لكونهما متضايفين ، والمتضايفان متكافئان بالقوّة والفعل ، فلو تقدّم أحدهما على الآخر لزم المحال ، وهو تحقق الإضافة من طرفٍ واحد. بل المراد هو الاحتياج والتوقّف في الذات والوجود ، وتوضيح ذلك :
إن الوجود لا بدَّ وأنْ ينتهي إلى الواجب ، وهذا ما لا اختلاف فيه بين العقلاء ، حتى الماديّون قائلون به ، غير أنّ الاختلاف في الصغرى ، فهم يقولون بانتهاء الوجود إلى مركّب من أجزاء ماديّة خارجيّة ، والإلهيّون قائلون بأنه ينتهي إلى ذاتٍ لا تركيب فيها ، لا من الأجزاء الخارجيّة ولا العقليّة ولا الوهميّة ولا الخياليّة ، فهو واحد أحدي ، وهذا معنى كلام أمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين عليهمالسلام في نفي التركيب عن الذات المقدّسة كما في نهج البلاغة ، وكتاب التوحيد للشيخ الصّدوق رحمهالله والكافي ، وهو من جملة البراهين المستخرجة من الروايات ، وحاصله : إن كلّ ما كان مركّباً ، كان محتاجاً إلى الأجزاء وموقوفاً عليها ـ حتى لو كان مركّباً خياليّاً ، وهو المجرّد عن المادّة دون الصّورة ، أو وهميّاً حيث يتجرّد من كليهما ـ لأنّ المركّب بما هو مركّب لا يتحقّق ذاتاً إلاّ بعد وجود الجزء في مرحلة الذات ، فجوهريّة المركّب متوقّفة على جوهريّة الجزء ، وفي مرحلة الوجود ، فإنّ المركّب متوقف وجوده على وجود الجزء بالتوقّف الطبعي ، فإذن : «الكلّ» متوقّف ذاتاً ووجوداً على «الجزء».