إلى رمّها. لا يهمهم حفظ الماضي على حاله ، فضلا عن أن يبدأوا مآثر ، ويفترعوا مفاخر ، بل دأبهم في ولاية أمور المسلمين كما جاء في المثل العامي «يأكلون الخضراء ، ويقطعون اليابسة» ، وكأنما أورثهم الله خراج المسلمين لينفقوه في السّرف والسّفه ، ولذات الكروش والفروج ، كأنما هو تراث آبائهم وأجدادهم ، بل لو كان تراث آبائهم وأجدادهم ما ساغ لهم ذلك فيه ، ولمنعهم القضاة العادلون عن هذا السّفه ، ولكن أين القضاة العادلون وأين العلماء العاملون ، الذين يقولون الحق في وجه الملوك ، ويخاطرون بأنفسهم ومصالحهم لأجل نصح الأمة!؟
فو الله ما أفسد أمر الإسلام إلا أمراؤه ـ إلا من رحم ربك ـ وما أفسد هؤلاء الأمراء إلا العلماء الذين أخذت عليهم المواثيق بأن لا يقارّوا على معصية ، ولا يواطئوا على معرّة (١) ، فكانوا يقارّون على المعاصي ، ويتزلّفون إلى الأمراء بالأباطيل ، ويفتون لهم بتأويل النصوص الشرعية بغير معناها الحقيقي ، ويسهّلون لهم الموبقات بأجمعها ، والمرديات بحذافيرها ، طمعا في الدنيا الفانية ، والمطاعم الوبيئة الذاهبة.
وهكذا تحوّل أمر هذه الأمة من العظمة إلى الصغار ، ومن التمكن في الأرض إلى البوار ، ومن المآثر والمباني إلى الدمار ، ومن أحاديث المعالي إلى أقاصيص العار والشنار (٢).
__________________
(١) [الأذى والسماءة والمكروه].
(٢) [الأمر المشهور بالشّنعة والقبح].