فلما كانت الحرارة زائدة على الأرض ، لم تحمل الأرض الحياة ، لأنّ الحياة لا تتحمل الحرارة الزائدة ، وعندما تنقص الحرارة نقصانا زائدا لا تحمل الأرض الحياة ، لأنّ الحياة لا تتحمل البرودة الزائدة ، كلّ ذلك يدلّ على ضرورة التوازن لأجل الحياة.
ولعلّ بعض القراء يشمئزون من هذه المباحث الكفرية ، ويرون هذه التعليلات مما لا يأتلف مع العقيدة ، وهذا خطأ محض ، لأنّ هذه الأدوار التي لا تحصى إلا بالملايين والمليارات من السنين ، هي أدلّ على قدرة الخّلاق الحكيم تعالى ، وهي ولو طالت أضعاف ما هي [عليه] ، لما أمكن أن يعلّل لها وجود إلا بواجب الوجود.
وأما أنّ الأرض وغيرها من الأجرام الفلكية كانت كلها كتلة واحدة من البخار ، ثم تفصّلت كرات شتى ، وأخذت كلّ منها تتجمّد شيئا فشيئا ، أو أنّ مبدأ الحياة كان في الماء ، فليس إلا وفقا للوحي النازل على محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠].
ولكنّ قصور مفسرينا في العلوم الطبيعية وقف بهم عن فهم المراد من قوله تعالى في أكثر الآي الكريمة التي من هذا الضرب ، وكانوا إذا قرأوا (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) [الدخان : ١٠]. أشكل عليهم فهم الدخان هنا ، فقالوا : إنّ مراده تعالى يوم تأتي السماء بجدب أو قحط ، لأنّ الجائع يرى بينه وبين السماء دخانا من شدة الجوع ، أو أنّ الجوع يقال له : الدخان ، لما في الأرض من اليبس في الجدب ، بحيث يرتفع منها الغبار الذي هو كالدخان ، وما أشبه ذلك من التفاسير ، التي هي
__________________
سديميا ، كما كانت قبل تكوينها (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا)][الواقعة : ٤ / ٦] وقد فصّلنا ذلك في «المنار» و «تفسيره» مصححه.