الرواية». (١)
وبحكم كون سمرقند مدينة تقع على ثغور البلاد الإسلامية وهي عرضة أبدا للهجوم من شتى الطامعين فقد استدعت الضرورة أن تعزز حامياتها بالمقاتلين الذين كان كثير منهم من المطّوعة الذين كانوا يأتون من بقاع العالم الإسلامي تطوّعا للجهاد في تلك الثغور ، ونجد هذا اللقب (المطوعي) يتردد كثيرا في ثنايا كتاب القند. واستدعى ذلك أن يجعل للمدينة مناقب وللمقيم فيها ثواب عظيم تشجيعا للمدافعين عنها مما أدى بالتالي إلى اختلاق أحاديث ونسبتها إلى النبي (ص) أو الصحابة أو التابعين. يقول السمعاني في ترجمته للحسين بن الطيب الطاهري الذي «كان على خلافة سمرقند مدة طويلة وكان خطيبها وإمامها» ، وذكر أنه توفي سنة ٣٨٩ أو ٣٩٠ ه ، إن أبا سعد الإدريسي قال : «رأيت في كتاب عنده يوما من الأيام أحاديث وضعها أبو محمد الباهلي في فضائل سمرقند ومشايخها ، على مشايخ يذكر أنه سمعها منهم» (٢). ويمكن القول إن اختلاق أحاديث ومناقب لمدن الثغور أمر تشترك فيه سمرقند مع مثيلاتها من هذه المدن كقزوين التي نجد لها مجموعة كبيرة من المناقب ولمن أقام بها من الأجر في كتاب مماثل للقند هو التدوين في أخبار قزوين (٣). ففي خبر طويل عن مناقب مجموعة من بلدان ما وراء النهر ـ وجميعها ثغور في مواجهة قبائل وأمم غير مسلمة ـ نسب للإمام علي (ع) نقرأ عن سمرقند : «وإن لله بخراسان لمدينة يقال لها سمرقند بناها الذي بنى الحيرة (٤) ، يتحامى الله عن ذنوبهم ويسمع ضوضاءهم ، وينادي مناد كل ليلة : طبتم وطابت لكم الجنة. فهنيئا لسمرقند ومن
__________________
(١) الأنساب ، ٥ / ١٨ ـ ١٩.
(٢) الأنساب ، ٤ / ٣٣. وأبو محمد الباهلي هو المتوفى سنة ٣٨٢ ه في القند (الرقم ٥١٠).
(٣) التدوين ، ١ / ٤ ـ ٣٠.
(٤) يشاع في كتب التاريخ والجغرافيا الإسلامية أن باني سمرقند هو الملك اليمني «شمر يرعش (حكم من ٢٧٥ ـ ٣٠٠ م) الذي بالغ العرب في تعظيمه وذكروا أنه افتتح العراق وفارس وخراسان وأن شمركند أي سمرقند هي على اسمه ، إلا أن هذه الأقوال لا تجد لها صدى في تواريخ الأمم المعاصرة» (معجم الحضارات السامية ، ٥٣٦). وفي تاريخ الطبري (٢ / ١١١) «الذي غزا الصين وبنى سمرقند وحيّر الحيرة». ويرى الإرياني أن العثور على أحد النقوش الأثرية الذي يتحدث عن فتوحات هذا الملك «قد أعطى لما يرويه المؤرخون العرب شيئا من الحقيقة». وأحفاف «وإن كنا لا نزال نعتقد أن ما قالوه أكثره مبالغات» (نقوش مسندية ، ١٢٦).