تحتمس إلى مهاجمتها واحتلالها. وظل الصراع قائما بين ميتاني ومصر حتى سنة ١٤١٥ ق. م. ، إذ عقد الطرفان معاهدة سلام بينهما ، قامت على أساس نوع من توازن القوى.
ويتضح من الإجراءات التي اتخذها تحتمس الثالث إنه اعتبر الأراضي التي فتحها في بلاد الشام وحدة خاصة في الإمبراطورية المصرية. والظاهر أنه أبقى على التقسيم الإداري كما كان أيام الهكسوس ، وفي أغلب الأحيان ، أبقى على الحكام المحليين الذين أقسموا على الطاعة والولاء له. إلّا إنه عين مندوبين له لمراقبة الأوضاع ، وجباة لجمع الضرائب والأتاوات ، ورفدهم بحاميات عسكرية ، وأقام قلاعا لهذه الحاميات ، كما في بيسان مثلا ، وعلاوة على ذلك ، كان يقوم بين الحين والآخر بحملة عسكرية ، ربما سنوية ، لتدعيم هيبته ، أو لقمع تمرد ما.
ولضمان ولاء الحكام والنبلاء له ، عمد تحتمس إلى أخذ بعض أبنائهم رهائن في بلاطه. ومنهم من خدم في جيش الفرعون ، وتثقف على خدمته والولاء للحضارة المصرية ، ومن صفوفهم استبدل الفرعون الحكام الذين تمردوا عليه. وكان المنظور الفرعوني العام إزاء هذه الولايات أنها بمثابة حزام أمني لأراضي الإمبراطورية في مصر ، ومصدر للدخل والمواد الخام والبضائع. وفضلا عن المهمات القتالية عند الحاجة ، والإجراءات الأمنية الجارية ، كانت الولايات تدفع ثلاثة أنواع من الضرائب : ١) عينية : منتوجات زراعية وصناعية تحتاجها مصر ؛ ٢) طاقة بشرية : عمال في المعابد وأراضي الملك والنبلاء ؛ ٣) فتيان للخدمة في بلاط الفرعون وجيشه ، وفتيات للعمل كإماء في قصور الطبقة الحاكمة.
والانتصارات التي حققها تحتمس الثالث ، بإخضاع بلاد الشام وتحجيم دولة ميتاني ، جعلته القوة الرئيسية في الشرق الأدنى القديم ، وأصبح الجميع يخطب ودّه ، ويرسل إليه الهدايا ، ويسعى لإقامة علاقات صداقة معه. ولكن ذلك لم يدم طويلا. فالضرائب الثقيلة التي فرضها على السكان أرهقت كاهلهم ، والأتاوات التعسفية التي اقتصها منهم ، بالمال والرجال ، ضيقت عليهم الخناق ، وبالتالي زادت في حدة التذمر ، وتحيّن الفرص للتمرد. وقد وقع ذلك فعلا ، الأمر الذي اضطر خلفاء تحتمس إلى القيام بحملات جديدة لقمع الاضطرابات. وقد لجأ هؤلاء إلى سياسة الإجلاء الجماعي للسكان المحليين إلى مصر ، ، وتشغيلهم هناك في الأعمال العامة ، أكان ذلك للملك أو للمعابد.
وبعد توقيع معاهدة الصداقة بين ميتاني ومصر ، سادت فترة من السلام في المنطقة ، وخصوصا بعد تحديد مناطق النفوذ بينهما في بلاد الشام ، وبالتالي تبعية