وبموازاة النشاط الصهيوني داخل الإدارة الأميركية ، كان البيت الأبيض رأس الحربة لتجنيد الكونغرس في دعم الأهداف الصهيونية. وقد تمحورت تلك الأهداف في حينه حول فتح أبواب فلسطين لهجرة اليهود الواسعة ، وتأمين تبني الولايات المتحدة للمشروع الصهيوني فيها ، والحصول على اعتراف الدول الكبرى به ، عضوا في هيئة الأمم التي كانت قيد الإنشاء. وطوال سنوات رئاسته ، ظل ترومان يصارع من دون هوادة لتثبيت أركان ذلك المشروع ، كما في الولايات المتحدة ، كذلك على الصعيد الدولي ، وتقديم الدعم المادي له لتعزيز وجوده في فلسطين.
وكان مؤتمر بوتسدام (١٧ تموز / يوليو ـ ٣ آب / أغسطس ١٩٤٥ م) مناسبة جيدة للمنظمة الصهيونية لممارسة الضغط على حكومة بريطانيا ، عبر ترومان ، للاستجابة للطلبات التي تقدمت بها إليها. وفي أثناء انعقاد المؤتمر هزم تشرشل في الانتخابات ، فغادر بوتسدام ، وحل محله رئيس حكومة جديد ، أتلي ومعه وزير خارجية جديد ، بيفن بديلا من إيدن. وكان ترومان ، لدى سفره للقاء تشرشل وستالين ، تلقى عريضة موقعه من ٣٧ حاكم ولاية أميركية ، تدعوه إلى طرح مسألة تكثيف الاستيطان الصهيوني في فلسطين مع رؤساء الدول المشاركين في مؤتمر بوتسدام. غير أنه لم يتم الاتفاق بهذا الشأن بسبب موقف بيفن ، الذي أصبح عقبة في وجه المطالب الصهيونية ، بعد أن كان من أنصارها في السابق ، وكان ترومان يعول على تعاطف تشرشل مع الصهيونية ، وقد كتب له في أثناء المؤتمر مذكرة ، جاء فيها : «إن معرفتي بتعاطفك العميق مع الاستيطان الصهيوني في فلسطين ، تشجعني على الإعراب عن الأمل أن تجد حكومة بريطانيا من الممكن ، ومن دون تأخير ، رفع القيود التي يتضمنها الكتاب الأبيض بشأن هجرة اليهود إلى فلسطين.» (١)
لكن تشرشل أخلى مكانه لأتلي ، الذي أجاب على المذكرة بقوله : «إنكم لتفهمون بالتأكيد إني لا أستطيع أن أدلي بأي بيان عن السياسة حتى يتوفر لنا الوقت للنظر في الموضوع. وأردت فقط أن أحيطكم علما بأننا سنولي مذكرتكم العناية والاعتبار المبكر.» وجاء ردّ أتلي بينما المعارضة العربية للمطالب الصهيونية تتصاعد. وحتى تشرشل أدلى بتصريحات مفادها أنه يجب ألّا تتحمل بريطانيا وحدها المسؤولية عن النتائج الناجمة عن إنشاء «الوطن القومي اليهودي» في فلسطين. وكذلك ردّ بيفن أن المطالب الصهيونية تستلزم تجنيد نصف مليون جندي لفرضها بالقوة. وكانت قضية فلسطين موضع بحث ووجهات نظر في لندن بعد انتهاء الحرب ، وذلك في سياق
__________________
(٥٩) Ibid.,p.٩.