بيت لحم ، لتطويق الثوار في جبال الخضر وحوسان ، بقيادة سعيد العاص وعبد القادر الحسيني. ووقعت المعركة صباح ٦ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٦ م ، وكانت الخسائر كبيرة ، إذ سقط العاص شهيدا ، والحسيني جريحا وأسيرا. إلّا إنه على الرغم من التفوق الذي أحرزه الجيش ، بفضل العدد والعدة ، فقد استمر الثوار في نشاطهم ، الأمر الذي دعا الحكومة البريطانية إلى سلوك طريق المناورة السياسية كرديف للعمل العسكري. وفي الواقع ، فإنه منذ بداية الإضراب ، جرت محاولات بريطانية ، اشترك فيها وزير المستعمرات المعروف بميوله الصهيونية القوية ، أورمسبي ـ غور ، والمندوب السامي واكهوب ، لثني القيادة الفلسطينية عن الاستمرار فيه ، وذلك بمواكبة حملات القمع الشرسة التي قامت بها القوات العسكرية المعزّزة.
وكان أورمسبي ـ غور قد ألقى بيانا في مجلس العموم البريطاني (١٩ حزيران / يونيو ١٩٣٦ م) ، أعلن فيه عزم الحكومة البريطانية إيفاد لجنة ملكية خاصة رفيعة المستوى ، برئاسة اللورد إيرل بيل ، إلى فلسطين ، للتحقيق في أسباب الاضطراب ، مؤكدا عدم التعرض لصك الانتداب ، واشترط أن تكون الخطوة الأولى «توطيد النظام والقانون». واتصل الأمير عبد الله بن الحسين باللجنة العربية العليا ، وطلب إيقاف أعمال العنف ، لتسهيل عمل اللجنة الملكية ، والتمهيد لمفاوضات مع حكومة بريطانيا. واشترطت اللجنة العليا تعهدا بنيل مطالبها للبدء في المفاوضات ، فلم تسفر وساطة عبد الله عن نتائج في تلك المرحلة. كما شارك في الوساطة الملك عبد العزيز بن سعود والإمام يحيى من اليمن والملك غازي بن فيصل من العراق. وأوفد هذا الأخير وزير خارجيته ، نوري السعيد إلى فلسطين ، فالتقى أعضاء اللجنة العربية العليا ، الذين قبلوا وساطته بصفته يمثل ملوك العرب وأمراءهم.
وفي ٣١ آب / أغسطس ١٩٣٦ م أصدرت اللجنة العربية العليا بيانا تقبل به وقف الإضراب والبدء بمفاوضات مع الحكومة البريطانية بشروط : وقف الهجرة ووقف العمل بقوانين الطوارىء وإلغاء الغرامات وإطلاق سراح المعتقلين. لكن مساعي نوري السعيد ، التي حققت أهدافها لدى اللجنة العربية العليا ، اصطدمت بالرفض الصهيوني لوقف الهجرة ولو موقتا. وانطلاقا من معرفة موازين القوى الراجحة لجانبها في المؤسسة البريطانية الحاكمة ، وبالاستناد إلى دعم أميركي قوي ، خاضت المنظمة الصهيونية معركة سياسية ضد التوصل إلى تفاهم مع اللجنة العربية العليا ، على أساس الشروط التي اتفق عليها مع نوري السعيد. واستفادت الوكالة اليهودية في صراعها من موقف وزارة الحرب البريطانية ، التي برزت في تلك الفترة كحليف سياسي للصهيونية ، إذ أصرّت على إخماد الثورة بالقوة. وتذرعت في دعم موقفها