مجلس الناحية إلى السنجق إلى الولاية. ووفق هذه التراتبية أحيلت القضايا بحسب أهميتها من الأدنى إلى الأعلى. وباتساع مهمات المجالس ، تفرعت إلى هيئتين : الأولى إدارية ، والثانية قضائية ، ولكن في إطار المجلس الواحد.
وعلى العموم ، ظلت السلطة العثمانية ضعيفة في الريف ، وغائبة في المناطق النائية ـ الجبلية والصحراوية. وفي هذه المناطق ، قام بالمهمات الإدارية القليلة شيخ القرية ، الذي كان يتبع «ناظر الناحية» والذي بدوره يتبع «مدير القضاء». وكان زعماء الريف بصورة عامة أشخاصا محليين ، اضطرت السلطة إلى التعامل معهم لافتقارها إلى القوة العسكرية اللازمة لضبط الأوضاع في هذه المناطق المعزولة. وكثيرا ما تمرد الزعماء المحليون على السلطة ، وامتنعوا من دفع الضرائب المستحقة وتصدوا لقوات الحكومة بالسلاح عندما هاجمت مراكزهم. وقد حدث ذلك في الساحل السوري (جبل العلويين) ومنطقة بعلبك وجبل لبنان وجبل الدروز (العرب) والجبال الوسطى من فلسطين ـ نابلس والقدس والخليل. وفي هذه المناطق جميعا ، حاولت السلطة استغلال التناقضات بين العائلات المتنفذة ، أو بين فروع العائلة الواحدة ، للحفاظ على ولاء الحاكم للسلطة المركزية. ولكن عندما حاولت تلك السلطة إرسال جيش تركي لفرض هيبتها على الجبليين ، حشدوا قواهم ، وتصدوا لهذا الجيش. ولذلك سادت حالة من عدم الاستقرار في تلك المناطق ، على نقيض المدن ، حيث راحت تتشكل زعامة جديدة ، عبر المشاركة في تسيير أمور الحكم والتمرس بأساليبه.
وفي فلسطين ، تميّزت منطقة جبال نابلس بمقاومتها للحكم المركزي ، كما عرفت بالصراع الدائم بين زعمائها المحليين. ولهذه المنطقة تاريخ طويل في التمرد على السلطة. فحتى ظاهر العمر والجزار ونابليون وإبراهيم باشا ، لم يستطيعوا ضبط الأوضاع فيها. وبمساعدة الأمير بشير الشهابي ، استطاع عبد الله باشا احتلال قلعة سانور الحصينة (١٨٢٩ ـ ١٨٣٠ م) ، لكنه فشل في الاحتفاظ بها تحت سيطرته. ولقي إبراهيم باشا صعوبة كبيرة في إخضاعها ، وكانت أول من تمرد عليه (١٨٣٤ م) ، وهاجمت جيوشه المنسحبة إلى مصر (١٨٣٩ م). وبرز فيها عدد من العائلات الإقطاعية القيسية (طوقان وجرّار وريّان) ، وأخرى يمنية (النمر وقاسم وعبد الهادي) ، ظلت تتناحر على الدوام. ولكن هذه العائلات كانت على العموم تتوحد ضد تمركز قوات عسكرية نظامية في مناطقها ، وبالتالي فرض السلطة المركزية عليها. وإزاء عجز الحكومة عن إخضاع هذه العشائر بالقوة ، فقد عمدت إلى استغلال التناقض بينها ، وبالتالي تسعير التناحر بين التكتلات العشائرية ، التي كثيرا ما جرّت إليها بعض القبائل البدوية أيضا ، وذلك بشأن تولي الالتزام في المنطقة وما يدرّه ذلك من مكاسب