أدّت التنظيمات العسكرية الصليبية دورا مهما. ففيها تمثلت الروح الصليبية الأصولية ، وبأفرادها تجسد التكامل بين الصليبي المقاتل والراهب. وكانت بدايات تلك المنظمات العناية بالحجاج ، ولذلك عرفت باسم «الإسبتارية» (تنظيم المشفى). وقد تأسست قبل قيام المملكة ، أمّا بعده ، فزاد نشاطها ، وحصلت على براءة من البابا ، وأقامت فروعا لها في أوروبا. وكان أعضاء التنظيم يؤدون قسم الرهبان المثلث ـ الاعتزال والفقر والطاعة. ثم أضافوا إلى عملهم في رعاية الحجاج ركنا أساسيا هو الدفاع عن مملكة أورشليم اللاتينية ، فاكتسبوا طابعا عسكريا. وقام التنظيم على الصدقات ، وجمع أموالا كثيرة ، فاشترى أراضي واستغلها. وكان مركزه بداية في القدس ، ثم بعد سقوطها ، انتقل إلى حصن الأكراد في سورية. وبسبب قوته الاقتصادية ، أصبح هذا التنظيم قوة عسكرية كبيرة في المملكة. وكان أعضاؤه يلبسون العباءة السوداء ، وعليها صليب مالطا ، الأبيض اللون ذو الزوايا الثمان ، على الجانب الأيسر من الصدر. وقد استمر هذا التنظيم في أوروبا وجزر البحر الأبيض المتوسط حتى بعد نهاية دولة الفرنجة في فلسطين.
وبعد الإسبتاريين بعدة سنوات ، قام تنظيم آخر ـ الهيكليون (تمبلرز). وكانت مهمتهم المركزية مرافقة قوافل الحجاج وحمايتها. وبناء عليه ، فقد اتخذ هذا التنظيم طابعا عسكريا منذ البداية ، وتمركز في القدس (الحرم الشريف). وكان لباسهم عباءة بيضاء ، عليها صليب أحمر. وانتشروا في أوروبا أيضا ، واستحوذوا على أملاك واسعة ، كما قاموا بعمليات مالية ومصرفية كبيرة ، الأمر الذي أساء إلى سمعتهم ، وبالتالي أدّى إلى تصفيتهم. وعندما تضعضعت أحوال المملكة ، كان الهيكليون ، بالتعاون مع الإسبتاريين والتيوتون (التنظيم الثالث الألماني) ، يشكلون العمود الفقري لقوة المملكة العسكرية ، التي تحملت العبء الأكبر في الدفاع عن حدودها. ولذلك انتشر أعضاء هذه المنظمات في الحصون الحدودية. وكان مركز المنظمة التيوتونية في قلعة القرين (مونتفورت) في الجليل الغربي.
وحاول الصليبيون الاستيطان الزراعي في بعض المناطق ـ محيط الرملة وبيت جبرين وجبل الطابور والزيب وحيفا. وأحيانا تحولت القرى الزراعية إلى بلدات مسورة ـ غزة والشوبك ـ لكن النتائج على العموم ظلت ضئيلة. وكانت القرى الزراعية تقام في محيط المدن ، أو بالقرب من القلاع والحصون ، لتكون ملاذا للفلاحين الفرنجة في وقت الحرب. ومع أن الدولة ، أو المؤسسات الكنسية ، وحتى العائلات الإقطاعية ، منحت هؤلاء المستوطنين امتيازات كثيرة ، فأعطتهم نحو ٧٠٠ دونم للعائلة ، وخفضت عليهم الضرائب وشكلت لهم محاكم خاصة وأشركتهم في