العاقل ، ويحمل ميزات خاصة ، جعلتهم يصنفونه كجنس خاص ، وأطلقوا عليه اسم الإنسان القديم الفلسطيني ، وعرف علميا باسم Palaeo ـ anthropus Palaestiniensis. ومع أنه كان معاصرا لإنسان أوروبا النياندرتالي ، إلّا إنه كان متقدما عليه في حضارته المادية ، وفي تكنولوجيا إنتاجها.
ويستخلص من دراسة العدد الكبير من الهياكل العظمية التي وجدت في شمال فلسطين ، أن الإنسان القديم الفلسطيني (أو الجليلي) كان قصير القامة بالنسبة إلى الإنسان العاقل ويحمل على كتفيه العريضتين جمجمة كبيرة مستطيلة ، عظمها سميك ، وحدقتا العينين واسعتان تحف بهما نتوءات بارزة. أمّا الأنف فمسطح ، وعظام الحنك نافرة صلبة ، والأسنان كبيرة ، وفي الحنك الأسفل ذقن صغير واضح ، والصدر واسع والعضلات ضخمة ، وهو ما يعطيه قوة جسدية كبيرة. واليدان كبيرتان ، لكن عظام الأصابع محدودة الحركة. والفخذ عنده أقصر من الساق ، والظهر يميل إلى الانحناء نحو الأمام ، حيث يبقى الرأس مائلا في هذا الاتجاه.
وتتضارب الآراء في شأن مصير الإنسان القديم الفلسطيني. فهناك من يعتقد أنه تطور ليصبح الإنسان العاقل ، بدليل تطور حضارته المادية ، وتقنية صناعة أدواته الحجرية ، وهو ما يشير إلى تحول طبيعي ومتدرج في هذا الاتجاه. في المقابل ، هناك من يقول بانقراضه من دون خلف ، أو بتزاوجه مع جنس آخر هو الإنسان العاقل ، أو بانتقاله إلى أوروبا وامتزاجه هناك بالنياندرتال المحلي ، أو القضاء عليه ، واحتلال مكانه. وبغياب الدليل على نظرية أفضل ، لا بدّ من القبول حاليا ، بأن النياندرتال الفلسطيني هو الذي تحوّل فيزيولوجيا ، وتطور حضاريا نحو الإنسان العاقل ، الجد المباشر للإنسان الحالي ، وصانع الحضارة بمعناها الشامل.
والإنسان القديم الفلسطيني هو صانع الحضارة الموستيرية في الشرق الأدنى ، وهي الحضارة نفسها التي صنعها النياندرتال في أوروبا ، إلّا إنها تتميّز في فلسطين بتقنية متقدمة ، الأمر الذي يدل على أن نمط حياة الإنسان القديم الفلسطيني كان متقدما على نمط حياة معاصره في أوروبا. وقد وجدت حضارته المادية ، من مقابض ومكاشط متنوعة ، إضافة إلى أدوات عظمية قليلة ، ونصال طويلة ذات ميزات متطورة ومشتركة مع أدوات الإنسان العاقل ، في المغاور وفي جوارها إلى جانب هياكله العظمية ، حيث كان يدفن موتاه. وهو على العموم من سكان المغاور ، وصياد ماهر ، انتقل بنمط حياته من مرحلة الجمع والقطف والاغتذاء بالحيوانات الصغيرة ، وربما الميتة ، إلى مرحلة الصيد الفعلي ؛ وهذا ما يتطلب وجود جماعات بشرية مزوّدة بأسلحة حادة ، وقادرة على اقتناص الحيوانات الضخمة التي كانت منتشرة في الشرق الأدنى.