قال : فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها ، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج عليهم غلام أحسن الناس وجها كأنّه خادم فنادى : يا فلان بن فلان ، ويا فلان بن فلان أجيبوا مولاكم. فقال : فقالوا : أنت مولانا؟ قال : معاذ الله ، أنا عبد مولاكم ، فسيروا إليه.
قالوا : فسرنا معه حتّى دخلنا دار مولانا الحسن بن عليّ عليهالسلام فإذا ولده القائم قاعد على سرير كأنّه فلقة القمر ، عليه ثياب خضر ، فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام ، ثمّ قال : جملة المال كذا وكذا دينارا ، حمل فلان كذا ، وفلان كذا ، ولم يزل يصف حتّى وصف الجميع ، ثمّ وصف ثيابنا ورحالنا وما كان معنا من الدوابّ ، فخررنا ساجدين لله عزوجل شكرا لما عرّفنا ، وقبّلنا الأرض بين يديه ، ثمّ سألناه عمّا أردناه فأجاب ، فحملنا إليه الأموال ، وأمرنا القائم أن لا نحمل إلى سرّ من رأى بعدها شيئا فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلا نحمل إليه الأموال ، ويخرج من عنده التوقيعات.
قال : فانصرفنا من عنده ، ودفع إلى أبي العبّاس محمّد بن جعفر القمّي الحميري شيئا من الحنوط والكفن ، فقال له : أعظم الله أجرك في نفسك. قال : فما بلغ أبو العبّاس عقبة همدان حتّى توفّي ، وكان بعد ذلك تحمل الأموال إلى بغداد إلى البوّاب المنصوبين ويخرج من عندهم التوقيعات.
قال الصدوق رحمهالله : هذا الخبر يدلّ على أنّ الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو وأين موضعه فلهذا كفّ عن القوم وعمّا معهم من الأموال ، ودفع جعفر الكذّاب عنهم ، ولم يأمرهم بتسليمها إليه إلّا أنّه كان يحبّ أن يخفي هذا الأمر ولا يظهر لئلّا يهتدي إليه الناس فيعرفونه ، وقد كان جعفر حمل إلى الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفّي أبو محمّد الحسن عليهالسلام ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، تجعلني في مرتبة أخي ومنزلته؟ فقال الخليفة : اعلم أنّ منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنّما كانت بالله عزوجل ،