الوجه في تركه التقيّة :
قال المحدّث القمّي في ترجمة ابن السكّيت من كتابه الكنى والألقاب : نقل عن المجلسي الأوّل أنّه قال : اعلم أنّ أمثال هؤلاء الأعلام كانوا يعلمون وجوب التقيّة ولكنّهم كانوا لا يصبرون غضبا لله تعالى بحيث لا يبقى لهم الاختيار عند سماع هذه الأباطيل كما هو الظاهر لمن كان له قوّة في الدين.
قلت : وقريب من ذلك ما جرى بين أبي بكر ابن عيّاش وموسى بن عيسى العبّاسي الذي أمر بكرب قبر الحسين (في الحكاية التي تقدّم ذكرها).
وذكر في روضات الجنّات عن الشهيد الثاني أنّه رحمهالله كتب في بعض مصنّفاته أنّ في الإلقاءات الجائرة المستحسنة للأنفس إلى الهلكة فعل من يعرض نفسه للقتل في سبيل الله إذ رأى أنّ في قتله عزّة للإسلام ولكن الصبر والتقيّة أحسن كما ورد في قصّة عمّار ووالديه وخباب وبلال في تفسير قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ)(١).
وروى صاحب المحاسن عن ابن مسكان قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : إنّي لأحسبك إذا شتم عليّ بين يديك لو تستطيع أن تقطع أنف شاتمه لفعلت ، فقلت : إي والله جعلت فداك إنّي لهكذا وأهل بيتي ، فقال لي : فلا تفعل ، فو الله لربّما سمعت من يشتم عليّا وما بيني وبينه إلّا أسطوانة فأستتر بها فإذا فرغت من صلاتي فأمرّ به فأسلم عليه وأصافحه.
ولكن لا يخفى عليك أنّ هذا في مقام التقيّة ولو لم يكن محلّ التقيّة يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك المداهنة ، فقد قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ الله تعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر.
__________________
(١) النحل : ١٠٦.