من ساطع شرفه ونبله ، وفيهم من يدّعي العرفان ، ويظنّ أنّه على بيّنه ممّا هو عليه وبرهان ، فلحقه جماعة من عرفائهم للسير مجدّين ، ولأثره للمناظرة تابعين ، حتّى وصل إلى الرباط الذي أمر سلّمه الله ببنائه للزائرين والمتردّدين ، فوردوا ثمّة ساحة جلاله ، وجلسوا متأدّبين بين يديه وعن يمينه وعن شماله ، وكانوا كالخفافيش في الشمس إذ لا قرار لهم إلّا في ظلمة الدمس ، فرحّب بهم كما هو من عاداته وأخلاقه المرضيّة المستقيمة ، وقال لهم قولا ليّنا عسى أن يتذكّر أحد منهم أو يخشى ، وكان فيهم رجلان يدّعيان المعرفة : أحدهما داود والآخر عزير.
فابتدأ داود بالكلام وقال : نحن ومعاشر الإسلام من دون سائر الملل موحّدون ، وعن الشرك مبرّؤون ، وباقي الفرق كالمجوس والنصارى بربّهم مشركون ، وللأصنام والأوثان عابدون ، ولم يبق على التوحيد سوى هاتين الطائفتين.
فقال له السيّد الأيّد أدامه الله تعالى : كيف ذلك وقد اتخذ اليهود العجل وعبدوه ولم يبرحوا عليه عاكفين إلى أن رجع موسى من مقيات ربّه ، وأمرهم في ذلك أشهر من أن يذكر وأعرف من أن ينكر ، ثمّ إنّهم عبدوا الأصنام في زمن (يربعام بن نباط) وهو أحد غلمان سليمان بن داود ، ومن قصّته أنّ سليمان بن داود وقد كان تفرّس منه طلب الملك ، وتوسّم فيه علامات الرياسة والسلطنة ، وقد كان (أخبالشيلوني) قد أخبر يربعام بذلك وشقّ عليه ثوبا جديدا كان عليه وقطعه اثنتي عشرة قطعة وأعطاه منها عشر قطع وقال له : إنّ لك بعدد هذه القطع من بني إسرائيل عشرة أسباط تملّكهم ولا يبقى منها بعد سليمان مع ابنه (رحبعام) غير سبطين وهما يهوذا وبنيامين ، فهمّ سليمان بقتل يربعام فهرب يربعام بن نباط من سليمان واتصل ب (شيشقاق) عزيز مصر وبقي عنده حتّى توفّي سليمان عليهالسلام فرجع إلى الشام وأجمع رأيه ورأي بني إسرائيل جميعا على نصب رحبعام بن سليمان ملكا فملّكوه عليهم ، واستعطفوه في وضع الآصار والمثاق التي كانت عليهم في أيّام سليمان عليهالسلام فقال لهم