لما ملكها الملك العادل نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي في صفر سنة تسع وأربعين وخمسمائة ، ودرس بالزاوية الغربية من جامع دمشق ، وتولى أوقاف المساجد ، ثم رجع إلى حلب وأقام بها وصنف كتبا كثيرة في المذهب منها : «صفوة المذهب في نهاية المطلب» في سبع مجلدات وكتاب «الانتصار» (لمذهب الإمام الشافعي كما في كشف الظنون) في أربع مجلدات ، وكتاب «المرشد» في مجلدين ، وكتاب «الذريعة في معرفة الشريعة» ، وصنف «التيسير في الخلاف» أربعة أجزاء ، وكتابا سماه «مأخذ النظر» و «مختصرا في الفرائض» وكتابا سماه «الإرشاد المعرب في نصرة المذهب» ولم يكمله ، وذهب فيما نهب له بحلب ، واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به. وتعين بالشام وتقدم عند نور الدين صاحب الشام وبنى له المدارس بحلب وحمص وحماة وبعلبك وغيرها ، وتولى القضاء بسنجار ونصيبين وحران وغيرها من ديار بكر ، ثم عاد إلى دمشق سنة سبعين وخمسمائة وتولى القضاء بها في سنة ثلاث وسبعين ، ثم عمي في آخر عمره قبل موته بعشر سنين ، وابنه محيي الدين محمد ينوب عنه وهو باق على القضاء ، ثم صنف جزءا لطيفا في جواز قضاء الأعمى وهو على خلاف مذهب الإمام الشافعي. ورأيت في كتاب الزوائد تأليف أبي الحسن العمراني صاحب كتاب «البيان» وجها أنه يجوز وهو غريب ، لم أره في غير هذا الكتاب. ووقع لي كتاب جميعه بخط السلطان صلاح الدين رحمهالله قد كتبه من دمشق إلى القاضي الفاضل وهو بمصر وفيه فصول من جملتها حديث الشيخ شرف الدين المذكور وما حصل له من العمى وأنه يقول : إن قضاء الأعمى جائز وإن الفقهاء قالوا إنه غير جائز ، فتجتمع بالشيخ أبي الطاهر بن عوف الإسكندراني وتسأله عما ورد من الأحاديث في قضاء الأعمى هل يجوز أم لا. وبالجملة فلا شك في فضله.
وقد ذكره أبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق ، وذكره العماد الكاتب في كتاب الخريدة وأثنى عليه وقال : ختمت به الفتاوي ، وذكر له شيئا من الشعر. وأنشدني بعض المشايخ قال : سمعته كثيرا ما ينشد ولا أعلم هل هماله أم لا. وذكرهما العماد الكاتب في الخريدة :
أؤمل أن أحيا وفي كل ساعة |
|
تمر بي الموتى تهز نعوشها |
وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي |
|
بقايا ليال في الزمان أعيشها |
وأورد له أيضا في الخريدة قوله :