في سنة تسع وخمسمائة ، واسمه مكتوب في عتبة بابها الشرقي ، ووقف هذه على الفقراء المتجردين دون المتأهلين بحلب. كذا رأيته في مسودة تاريخ الصاحب (ابن العديم) بخطه.
وهذه الخانكاه كانت مركزا للفقراء ومجمعا لأهل الطريق ، فممن كان بها شيخ الطريقة بقية السلف الصالحين نجم الدين أبو محمد عبد اللطيف شيخ الشيوخ بحلب ، وقد لبس والدي منه خرقة التصوف المنسوبة إلى جدهم الشيخ العارف أبي الخير الميهني الصوفي في سنة ست وسبعين وسبعمائة بباب منزله بالقرب من الخانكاه المذكورة. وقد توفي الشيخ عبد اللطيف المذكور سنة سبع وثمانين وسبعمائة (ستأتي ترجمته).
وأعلم أن هذه الخانكاه لم تزل بأيدي هذا البيت لما مات عبد اللطيف شيخ والدي أخذها ولده سراج الدين عمر ، وبعده أخذها ولده أبو الخير ، وكانوا يقيمون بها الذكر والأوراد ، ولها صوفية مرتبون تجري عليهم المعاليم من وقفها وبيدهم إشهاد عليه خط الشيخ علي الهروي المتقدم ذكره يشهد لهم بذلك.
ثم سد باب الخانكاه الذي من السوق وجعل صغيرا وهو باق إلى الآن على تلك الهيئة ، وهجرت وردم التراب خلف بابها الشرقي ، وردمت بركتها وانقطع الماء عنها ، وسكنها من جعلها بيتا من جملة البيوت. ثم لما قدم الشيخ الصالح الزاهد العامل علاء الدين بن يوسف الجبرتي حلب وستأتي ترجمته وما اتفق له في الحوادث وعمر الصاحبية والحدادية صار يتردد من الحدادية إلى هذه الخانكاه ، وأقام لها مؤذنا وإماما ، وأخرج التراب من بركتها وأجرى إليها الماء من رأس القناة ، فإن قناتها القديمة أخذت تبرع بمصروفها الأمير تغري بردي بن يونس نائب السلطنة بقلعة حلب إذ ذاك ، وأصرف عليها جملة كبيرة ، وعزل مرتفقها ، وزاد فيه بيوتا ، وهم أن يجري إليه فائض الماء من البركة ، وفتح بابها الشرقي وفتح لها في صدر إيوانها اشباكا إلى الشارع لئلا يتطرق لإبطال هذه الخانكاه كما كانت ، وفتح شباكا آخر تجاه بابها الغربي في جانب رواقها بحيث إن من كان في السوق يعلم أن هناك مسجدا ، ومن مر في الشارع يعلم ذلك. وأخبرني من أثق به أن الجمل بحمله كان يدخل من باب هذه الخانكاه الذي في السوق ، فلما اختصر كان لا يعلم أن هناك خانكاه إلا من يدخلها ، وهذا كان سبب فتح الشباكين المذكورين ا ه.
أقول : أدركنا هذه الخانكاه وهي على الصفة التي ذكرها الشيخ أبو ذر رحمهالله ، إلا أن المكان الغربي منها من صحنها إلى بابها الغربي الذي يلي السوق اتخذته الحكومة مخفرا ،