أقبل علي يقرظني ويصف شعري وقال : إنما مزحت معك ، فلزمته بعد ذلك وكثر عجبي من سرعة حفظه.
وقيل للبحتري : أيما أشعر أنت أم أبو تمام؟ فقال : جيده خير من جيدي ورديئي خير من رديئه. وكان يقال لشعر البحتري سلاسل الذهب ، وهو في الطبقة العليا. ويقال إنه قيل لأبي العلاء المعري : أي الثلاثة أشعر أبو تمام أم البحتري أم المتنبي؟ فقال : المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر البحتري ، ولعمري ما أنصفه ابن الرومي في قوله :
والفتى البحتري يسرق ما قا |
|
ل ابن أوس في المدح والتشبيب |
كل بيت له يجوّد معنا |
|
ه فمعناه لابن أوس حبيب |
وقال البحتري : أنشدت أبا تمام شيئا من شعري فأنشدني بيت أوس بن حجر :
إذا مقرم منا ذرا (١) حدّ نابه |
|
تخمّط فينا ناب آخر مقْرم |
وقال : نعيت إليّ نفسي ، فقلت (٢) : أعيذك بالله من هذا ، فقال : إن عمري ليس يطول وقد نشأ لطيىء مثلك ، أما علمت أن خالد بن صفوان المنقري رأى شبيب بن شيبة (٣) وهو من رهطه وهو يتكلم فقال : يا بني نعى نفسي إليّ إحسانك في كلامك ، لأنا أهل بيت ما نشأ فينا خطيب إلا مات من قبله ، قال : فمات أبو تمام بعد سنة من هذا.
وقال البحتري : أنشدت أبا تمام شعرا لي في بعض بني حميد وصلت به إلى مال له خطر فقال لي : أحسنت ، أنت أمير الشعراء بعدي ، فكان قوله هذا أحب إلي من جميع ما حويته.
وقال ميمون بن هرون : رأيت أبا جعفر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ (صاحب فتوح البلدان وهو مطبوع) وحاله متماسكة فسألته فقال : كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء فقال : لست أقبل إلا ممن قال مثل قول البحتري في المتوكل :
فلو ان مشتاقا تكلّف فوق ما |
|
في وسعه لمشى إليك المنبر |
__________________
(١) في الأصل : درى.
(٢) في الأصل : فقال. والصواب ما أثبتناه كما يقتضيه سياق الكلام.
(٣) في الأصل : شبة.