إن قيل إن الشام عين بلادنا |
|
صدقوا ولكن إدلب إنسانها |
فاقت على عدن الجنان كرومها |
|
وعلى الكرام لقد سمت سكانها |
كانت قبل الفتح الإسلامي إلى أواخر القرن العاشر ذات محلتين إحداهما كبرى شمالية والثانية صغرى جنوبية ، وإليها أشار السيد مرتضى الزبيدي في كتابه تاج العروس فيما استدركه على القاموس حيث قال : (ومما فات المصنف ذكر إدلب الكبرى والصغرى من أعمال حلب) ونسب إليها أستاذه السيد شعيب الكيالي في مادة (كيل). ثم انضمت الكبرى إلى الصغرى وصارتا كتلة واحدة على ما سيأتي بيانه قريبا. والوثائق المحفوظة بمكاتب أهلها أن أصلها (إدليب) بياء بعد اللام وربما رسمها بعضهم بالذال المعجمة ثم طرأها ما طرأ كيانها من التحريف والتصحيف فقالوا (إدلب) وغاية ما هنالك أنها لفظة غير عربية ، وقدم تاريخها المجهول يدل على أنها (كلدانية) ويؤيده النقش الكلداني من الصور والتماثيل النافرة الظاهرة في صفحات بعض الأحجار الضخمة من آثارها القديمة المشابهة لأشكال الرسوم المشاهدة في أحجار باب مسجد قاقان في عقبة حلب ، تلك الرسوم التي استدل بها بعض مؤرخيها على كلدانيتها وسبق تاريخ وجودها على وجود الخليل عليهالسلام.
طرأت على إدلب طوارىء مهمة في أدوار مختلفة فحدثت فيها حوادث هائلة ونشبت حولها معارك مدهشة سيما في القرون الوسطى زمن التنازع بين ملوك الطوائف في هذه الأقطار. ومن نظر في تواريخ مقامات الشهداء الشاهدة بخطها الكوفي والعربي على أحجار أضرحتها الضخمة البارزة فضلا عن المتردمة التي تبرز آنا فآنا للباحثين يتحقق عظم ما دار حولها من العظائم والوقائع رغما عن عدم وجود تاريخ يجمع بين دفتيه تفاصيلها ويفصح عن درجة أهميتها ، ونكتفي عن كتابة تاريخ لها يثبت قدمها وتقدمها وما كان للملوك من شدة الاعتناء بها وجود بعض الآثار الملوكية بها للآن ، فإن شاهد الحس أثبت من شاهد النقل. أخص بالذكر من تلك الآثار المهمة القديمة جامعها العمري المعمور للآن ولا أدري أهو خطابي النسبة أم أموي ، والذي يتبادر إلى الحقيقة الثاني إذا تذكرنا أموي حلب وهي من إيالتها. ومنها الملجأ العظيم الذي كان أنشأه الملك السعيد ابن الملك الظاهر بيبرس المعروف الآن بخان الشحاذين ، ذلك البناء الفخم الذي وقف له الأوقاف الكثيرة ليأوي إليه عابر والسبيل وعجزة العفاة ، ولكن مع الأسف قد عفا رسم أوقافه ولم يبق إلا هيكل بنائه ينتفع بالالتجاء إليه غرباء الشحاذين في فصل الشتاء ، وقد كان قبل ستين سنة تسبق تاريخ اليوم