الأخرى ، ويركب عليها الناس ، وتجاز الدواب سباحة وكذلك فعلنا ووصلنا تلك الليلة إلى كاوية(١٢٨) واسمها على مثال فاعلة ، من الكيّ ، نزلنا منها بزاوية أحد الأخية فكلّمناه بالعربية فلم يفهم عنّا ، وكلّمنا بالتركيّة فلم نفهم عنه! فقال : اطلبوا الفقيه فإنّه يعرف العربية فأتى الفقيه فكلّمنا بالفارسيّة وكلّمناه بالعربية ، فلم يفهمها منّا فقال للفتى : إيشان عربيّ كهنا ميقوان ومن عربيّ نوميد انم ، وإيشان ، معناه : هؤلاء ، وكهنا : قديم ، وميقوان : يقولون ، ومن أنا ، ونو : جديد. وميدا نم : نعرف وانّما أراد الفقيه بهذا الكلام ستر نفسه عن الفضيحة حين ظنّوا أنّه يعرف اللسان العربيّ وهو لا يعرفه فقال لهم : هؤلاء يتكلّمون بالكلام العربيّ القديم وأنا لا أعرف الّا العربيّ الجديد! فظنّ الفتى أن الأمر على ما قاله الفقيه ، ونفعنا ذلك عنده ، وبالغ في إكرامنا وقال : هؤلاء تجب كرامتهم لأنهم يتكلمون باللسان العربي القديم! وهو لسان النبيصلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ولم نفهم كلام الفقيه إذا ذاك لاكني حفظت لفظه ، فلما تعلمت اللسان الفارسي فهمت مراده ، وبتنا تلك الليلة بالزاوية ، وبعث معنا دليلا إلى ينجا ، وضبط اسمها بفتح الياء آخر الحروف وكسر النون وجيم ، بلدة كبيرة حسنة بحثنا بها عن زاوية الأخي فوجدنا أحد الفقراء المولّهين ، فقلت له : هذه زاوية الأخي؟ فقال لي : نعم فسررت عند ذلك اذ وجدت من يفهم اللسان العربي ، فلما اختبرته أبرز الغيب انّه لا يعرف من اللسان العربي الا كلمة نعم خاصّة! وانزلنا بالزاوية وجاء إلينا أحد الطلبة بطعام ولم يكن الأخي حاضرا ، وحصل الأنس بهذا الطالب ، ولم يكن يعرف اللسان العربي لاكنه تفضّل وتكلّم مع نائب البلدة ، فأعطاني فارسا من أصحابه وتوجه معنا إلى كينوك (١٢٩) ، وضبط اسمها بفتح الكاف وسكون الياء وضم النون ، وهي بلدة صغيرة يسكنها كفار الرّوم تحت ذمّة المسلمين ، وليس بها غير بيت واحد من المسلمين وهم الحكّام عليهم ، وهي من بلاد السلطان أرخان بك ، فنزلنا بدار عجوز كافرة وذلك إبّان الثلج والشتاء ، فأحسنّا إليها وبتنا عندها تلك الليلة.
وهذه البلدة لا شجر بها ولا دوالي العنب ، ولا يزرع بها الّا الزعفران ، وأتتنا هذه العجوز بزعفران كثير وظنّت أننا تجار نشتريه منها! ولما كان الصباح ركبنا وأتانا الفارس الذي بعثه الفتى معنا من كاوية فبعث معنا فارسا غيره ليوصلنا إلى مدينة مطرني ، وقد وقع في تلك الليلة ثلج كثير عفّى الطرق ، فتقدّمنا ذلك الفارس فاتّبعنا أثره إلى أن وصلنا في نصف النهار إلى قرية للتركمان ، فاتوا بطعام فأكلنا منه وكلّمهم ذلك الفارس ، فركب معنا أحدهم وسلك بنا أو عارا وجبالا ومجرى ماء تكرّر لنا جوازه أزيد من ثلاثين مرّة ، فلمّا خلصنا
__________________
(١٢٨) كاويه : هي (GEYVE) على بعد ٥٠ ك. م. شرق إيزنيك.
(١٢٩) كينوك (GOYNUK) تقع على بعد ٢٥ ك. م شرقي طركلي.