مثبت الغرناطي نزيل القدس (٢٨) ، ومنهم الشيخ الزاهد أبو علي حسن المعروف بالمحجوب من كبار الصالحين ، ومنهم الشيخ الصالح العابد كمال الدين المراغي ، ومنهم الشيخ الصالح العابد أبو عبد الرحيم عبد الرحمن بن مصطفى من أهل أرز الروم وهو من تلامذة تاج الدين الرفاعي ، صحبته ولبست منه خرقة التصوف (٢٩).
ثم سافرت من القدس الشريف (٣٠) برسم زيارة ثغر عسقلان (٣١) وهو خراب قد عاد رسوما طامسة ، وأطلالا دارسة ، وقلّ بلد جمع من المحاسن ، ما جمعته عسقلان ، اتقانا وحسن وضع وأصالة مكان ، وجمعا بين مرافق البر والبحر ، وبها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليهالسلام قبل أن ينقل إلى القاهرة (٣٢) ، وهو مسجد عظيم سامي العلو فيه جب للماء أمر ببنائه بعض العبيديين وكتب ذلك على بابه (٣٣).
وفي قبلة هذا المزار مسجد كبير يعرف بمسجد عمر لم يبق منه إلا حيطانه ، وفيه أساطين رخام لا مثل لها في الحسن وهي ما بين قائم وحصيد ، ومن جملتها أسطوانه حمراء عجيبة يزعم الناس أن النصارى احتملوها إلى بلادهم ثم فقدوها فوجدت في موضعها بعسقلان.
__________________
(٢٨) أتساءل عن عدم ذكر ابن بطوطة لأوقاف المغاربة بالقدس المنسوبة للشيخ عمر المصمودي وترجع لتاريخ ٧٠٣ ه. والمنسوبة لابن هذين وترجع لتاريخ ٧٢٠ ه. د. التازي ـ القدس والخليل عند الرحالة المغاربة ـ نشر منظمة الإيسيسكو ١٩٩٧.
(٢٩) الخرقة يسلمها الشيخ إلى مريديه بعد طول عشرة وممارسة ، وهي تعني انقطاع حاملها عن هذا العالم وانصرافه الكامل للعبادة ، ... وبما أن الوقت لم يمكن ابن بطوطة من طول الممارسة ، فيظهر أن تسليمه" الخرقة" إنما كان تعبيرا عن" التبرّك" و" توسم" الخير فيه ...
(٣٠) يلاحظ أن ابن بطوطة ـ وقد غادر القاهرة ـ كما هو معلوم حوالي ١٥ شعبان ـ ١٧ يوليه ووصل إلى دمشق يوم ٧ رمضان ـ ٧ غشت ، لم يكن في استطاعته إلا أن يقوم بقطع المسافة مباشرة بين القدس وبين دمشق ، وهكذا فإن معظم البقاع التي ذكر أنه زارها إنما تمكن من زيارتها ـ على ما يبدو ـ أثناء مروره اللّاحق عليها خلال عام ٧٣٣ ـ ١٣٣٢ و ٧٤٩ ـ ١٣٤٨.
(٣١) عسقلان (ASCALON) التي هدمها صلاح الدين خلال حربه ضد ريشارد قلب الأسد عام ٥٨٧ ـ ١١٩١ ، أجهز عليها بصفة نهائية بيبرس عام ٦٦٨ ـ ١٢٧٠ ، يوجد موقعها شمال غزّة وجنوب يافا (تل أبيب)
(٣٢) يذكر الهروي الموصلى سالف الذكر أن رأس الحسين نقله المسلمون إلى القاهرة من عسقلان ، عند الاستيلاء على عسقلان من لدن الفرنج عام ٥٤٩ ـ ١١٥٤ ...
(٣٣) القصد إلى الخليفة الفاطمي ، المستنصر (٤٢٧ ـ ١٠٣٥ ـ ٤٨٧ ـ ١٠٩٤) سليل عبيد الله مؤسس الدولة الفاطمية بتونس ، وهو الذي أسس المسجد عام ٢٩٤ ـ ٩٠٨ ... ويلاحظ استعمال ابن بطوطة لعبارة" العبيديين" دون" الفاطميين".