منازلها (١٨٨) نزلنا (حميثرا) حيث قبر ولي الله أبي الحسن الشاذلي ، وقد ذكرنا كرامته في إخباره أنه يموت بها ، وأرضها كثيرة الضباغ ، ولم نزل ليلة مبيتنا بها نحارب الضباع ، ولقد قصدت رحلي ضبع منها فمزقت عدلا كان به واجترّت منه جراب تمر وذهبت به ، فوجدناه لما أصبحنا ممزقا مأكولا معظم ما كان فيه.
ثم لما سرنا خمسة عشر يوما وصلنا إلى مدينة عيذاب (١٨٩) وهي مدينة كبيرة كثيرة الحوت واللبن ويحمل اليها الزرع والتمر من صعيد مصر ، وأهلها البجاة (١٩٠) وهم سود الألوان يلتحفون ملاحف صفرا ويشدون على رؤوسهم عصايب يكون عرض العصابة منها أصبعا وهم لا يورّثون البنات ، وطعامهم ألبان الإبل ويركبون المهاري (١٩١) ويسمونها الصّهب ، وثلث المدينة للملك الناصر وثلثاها لملك البجاة وهو يعرف بالحدربي (١٩٢) بفتح الحاء المهمل وإسكان الدال وراء مفتوحة وباء موحدة وياء ، وبمدينة عيذاب مسجد ينسب للقسطلاني (١٩٣) شهير البركة رأيته وتبركت به ، وبها الشيخ الصالح موسى ، والشيخ المسن محمد
__________________
(١٨٨) كانت دغيم تتولّى حماية المسلك الرابط بين قوص ـ وهي مركز تجاري وعلمي متميز ـ وميناء عيذاب الهام جدا ... وقد أسهب التجيبي في الحديث عن أمانتهم وحسن صوتهم في الحداء. مستفاد الرحلة والاغتراب مصدر سابق ٠٤,I.
(١٨٩) كان ميناء عيذاب ابتداء من القرن الخامس الهجري إلى القرن الثامن الميناء الأخير الذي يربط مع اليمن وبلاد الهند، وكان يمثل أهمية كبرى ، لكنه لم يلبث أن خرّب من لدن ملك مصر عام ٨٢٩ ـ ١٤٢٦ وتولى مكانته ميناء سواكن ... على بعد ١٢ ميلا شمال حلايب وبالضبط بين درجة ٢٢ ـ ٢٠ شمالا و ٣٢ ٣٦ ـ شرقا ... ، وإنما جاء ابن بطوطة على طريق الصعيد لأنه أراد أن يسلك في حجه طريق صحراء عيذاب كما سلكها قبله ابن جبير والتّجيبي ، لكن لم يتيسر الحج منها بسبب الحرب القائمة في المنطقة بين المماليك وبين البجاة الآتي ذكرهم ، حيث اضطر للعودة من حيث أتى للحج على درب الشام ...
(١٩٠) يقول التجيبي الذي مرّ بعيذاب قبل ابن بطوطة بنحو ثلاثين سنة : «وبهذه البلدة عامل من قبل ملك الديار المصرية والشامية وأخر من قبل ملك البجاة الساكن بجزيرة سواكن ... يقتسمان جبايتها نصفين ... وسنرى أن ابن بطوطة يتحدث عن أن القسمة في عهده تغيرت.Encycl.Beja.
(١٩١) الإبل المنسوبة إلى مهرة بن جيدان من عرب اليمن ، وهي مشهورة بسرعتها ، والصهب منها (الحمراء البيضاء) هي التي تعرف باسم البشاري.
(١٩٢) الحدربي نسبة إلى قبيلة حدرب التي يذكر أنها من أصل عربي وهي تعيش في ضواحي عيذاب وكانت عاصمتهم في هذه الضواحي على البحر الأحمر ويجمع على حدارب على نحو حضارم.
(١٩٣) يتحدث التّجيبي وهو في حميثراء عن الشيخ قطب الدّين القسطلاني مؤلف كتاب (ارتقاء الرتبة باللباس والصحبة) الذي تحدث فيه عن أبي الحسن الشاذلي الذي صحبه. لعله قطب الدّين المتوفى بالقاهرةGibb T.IP.٩٦ Note ٣٣٢.٧٨٢١ ـ ٦٨٦