عزل منها في سنة إحدى وتسعين وستمائة بالأمير سيف الدين بلبان الطباخي ، ثم وليها في سنة تسع وتسعين عوضا عن المذكور واستمر بها عشر سنين أيضا ، ثم نقل إلى نيابة دمشق ، ثم ولي نيابة حلب مرة ثالثة واستمر بها أياما ، ثم تسحّب هو والأمير جمال الدين آقوش الأفرم الدواداري نائب السلطنة بطرابلس وذلك في سنة إحدى عشرة وسبعمائة إلى بلاد التتار خوفا على نفسهما فلحقا بخدابنده بن أرغون بن القان هولاكو ملك البلاد الشرقية على ما حكينا في ترجمة آقوش الأفرم.
وكان الأمير قراسنقر المذكور أميرا كبيرا شجاعا سعيدا حازما معرضا عن شرب الخمر ذا معرفة وخبرة ودهاء وتدبير ، ولي نيابة السلطنة بمصر ودمشق وحماة وحلب وجمع أملاكا كثيرة وبنى بالقاهرة مدرسة مشهورة وبحلب رباطا معروفا به وله وقف كبير. وفيه يقول العلامة صدر الدين أبو عبد الله محمد الشهير بابن الوكيل الشافعي عند قدومه إلى حلب :
شمس سما فوق السماك محله |
|
وسبا سناه البدر في هالاته |
بالسيف والعلم ارتقى فمضاء ذا |
|
لعدائه ومضى به لعداته |
فالعلم بين بنانه وبيانه |
|
والحلم من أدواته ودواته |
وكذا حديث الجود عنه مسند |
|
متواتر قد صح عند رواته |
قد كان في حلب وفي سكانها |
|
شوق إليه يشب في لفحاته |
فتباشروا فرحا بنيل مرامهم |
|
ودعوا بطول بقائه وثباته |
وفيه يقول الرئيس بهاء الدين علي بن أبي سوادة الحلبي من أبيات :
وقائلة من أفرس الترك في الوغى |
|
وأثبتهم فوق الجياد السوابق |
وافتكهم طعنا إذا اشتبك القنا |
|
وأضربهم بالسيف في كل مأزق |
فقلت كفيل الملك والبطل الذي |
|
له صولة الآساد تحت السناجق |
قراسنقر المنصور في كل موقف |
|
وحامي حمى الإسلام عند الحقائق |
توفي الامير شمس الدين قراسنقر في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بمراغة وقد جاوز سبعين سنة تغمده الله تعالى برحمته اه.
أقول : وذكره المقريزي في تاريخه السلوك فيمن توفي في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة والله أعلم أيهما أصح.