وجرى ذكره في «التاج» بما نصّه (١) : شاعر مفلق ، وشهاب في أفق (٢) البلاغة متألّق ، طبّق مفاصل الكلام بحسام لسانه ، وقلّد نحور الكلام (٣) ما يزري بجواهر الملوك (٤) من إحسانه. ونشأ في حجور الدولة النصرية مدللا بمتاته ، متقلبا في العزّ في أفانينه وأشتاته ، إذ لسلفه الذّمام الذي صفت منه الحياض والحمام ، والوداد الذي قصرت عنه الأنداد ، والسابقة التي أزرى بخبرها العيان ، وشهدت بها أرجونة وجيّان ، محيّز ثمرة الطيب. وله همّة عالية ، بعيدة المرمى ، كريمة المنتمى ، حملته بآخرة على الانقباض والازدراء والزهد في الازدياد والاستكثار ، والاقتصاد والاقتصار ، فعطف على انتجاع غلّته ، والتزام محلّته ، ومباشرة فلاحة صان بها وجهه ؛ ووفّاه الدهر حقّه ونجمه ، واحتجبت عقائل بيانه لهذا العهد وتقنّعت ، وراودتها النّفس فتمنّعت ، وله فكاهة وأنس الزمان مناجاة القينات ، عند البيات ، وأعذب من معاطاة الرّاح في الأقداح».
شعره : قال : وله أدب بلغ في الإجادة الغاية ، ورفع للجبين من السّنن الرّاية. ومن مقطوعاته يودع شيخنا الفقيه القاضي أبا البركات بن الحجاج : [الطويل]
رأوني وقد أغرقت في عبراتي |
|
وأحرقت في ناري لدى زفراتي |
فقالوا سلوه تعلموا كنه حاله |
|
فقلت سلوا عني أبا البركات |
فمن قال إني بالرّحيل محدّث |
|
روت عنه أجفاني غريب ثبات |
ونادى فؤادي ركبه فأجابه |
|
ترحّل وكن في القوم بعض عدات |
ومن مقطوعاته البديعة من قصيدة مجازيّة : [الطويل]
سيخطب قسّ العزم في منبر السّرى |
|
وهل في الدّنا يوم المسير أطيق؟ |
وأقطع زند الهجر والقطع حقّه |
|
فما زال طيب العمر عنّي يريق (٥) |
مولده : في حدود ثمانية وسبعين وستمائة.
وفاته : في الموفّى عشرين من شهر ربيع الثاني من عام اثنين وخمسين وسبعمائة.
__________________
(١) قارن بتاريخ قضاة الأندلس (ص ١٧٥).
(٢) كلمة «أفق» ساقطة من الكتيبة الكامنة.
(٣) في الكتيبة : «الملوك».
(٤) في المصدر نفسه : «السلوك».
(٥) في الأصل : «يسترقّ» وهكذا ينكسر الوزن ، وفيه عيب القافية.