يقدر عليه ، فقال له : حلّها وعالجها رمحا رمحا ، فلم يبعد عليه دقّها ، فأقبل على الجماعة ، فقال : هذا مثلكم يا برابرة ، إن جمعتم لم تطاقوا ، وإن تفرّقتم لم تبقوا ، والجماعة في طلبكم ، فانظروا لأنفسكم وعجّلوا ، فقالوا : نأخذ بالوثيقة ، ولا نلقي بأيدينا إلى التهلكة ، فقال لهم : بايعوا لهذا القرشي سليمان ، يرفع عنكم الأنفة في الرياسات ، وتستميلون إليه العامّة بالجنسية ، ففعلوا ، فلمّا تمّت البيعة قال : إن مثل هذا الحال لا يقوى على أهل الاستطالة ، فيقيّد له رئيس كل قبيلة منكم ، قبيلة يتكفّل السلطان بتقويمهم ، وأنا الكفيل بصنهاجة ، قال : وامتارت بطون القبائل على أرحامها ، وقبائلها إلى أفخاذها وفصائلها ، فاجتمع كل فريق منهم على تقديم سيّده ، فاجتمعت صنهاجة على كبيرها زاوي ، ولم تزل تلك القبائل المتألّفة بالأندلس لطاعة أميرها ، المنادين له إلى أن أورثوهم الإمارة.
التوقيع : قالوا (١) : ولمّا نازله المرتضى الذي أجلب به الموالي العامريين بظاهر غرناطة ، خاطبه بكتاب يدعوه فيه إلى طاعته ، وأجمل موعده فيه ؛ فلما قرىء على زاوي قال لكاتبه : اكتب على ظهر رقعته : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١) السورة (٢). فلمّا بلغت المرتضى أعاد عليه كتابا يعده فيه بوعيده ، فلمّا قرىء على زاوي ، قال : ردّ عليه : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) (١) (٣) إلى آخرها ، فازداد المرتضى غيظا ، وناشبه القتال ، فكان الظّهور لزاوي.
قال المؤرّخ (٤) : واقتتلت صنهاجه مع أميرهم مستميتين لما دهمهم من بحر العساكر ، على انفرادهم وقلّة عددهم ، إلى أن انهزم أهل الأندلس ، وطاروا على وجوههم ، مسلموهم وإفرنجهم ، لا يلوون على أحد ، فأوقع البرابر (٥) بهم السيف ، ونهبوا تلك المحلّات ، واحتووا على ما لا كفاء له اتساعا وكثرة ؛ ظلّ الفارس يجيء من أتباع المنهزمين ومعه العشرة ، ولا تسل عمّا دون ذلك من فاخر النّهب ، وخير الفساطيط ، ومضارب الأمراء والرؤساء.
__________________
(١) قارن بالذخيرة (ق ١ ص ٤٥٣ ـ ٤٥٤) ومذكرات الأمير عبد الله (ص ٢٢) والبيان المغرب (ج ٣ ص ١٢٥ ـ ١٢٦) ونفح الطيب (ج ٢ ص ٢٩ ـ ٣٠).
(٢) سورة الكافرون ١٠٩ ، الآية ١.
(٣) سورة التكاثر ١٠٢ ، الآية ١.
(٤) النص في الذخيرة (ق ١ ص ٤٥٤) والبيان المغرب (ج ٣ ص ١٢٦) ولكن ببعض الاختلاف عمّا هنا.
(٥) في الذخيرة : «البرابرة». وهكذا كان ابن الخطيب يستعمل مرة كلمة «البرابر» ومرة أخرى كلمة «البرابرة» للتعبير عن البربر.