يطالبني بصداقك ، فوكلت وكيلا ، ومضى الوكيل إلى مجلس الحكم وقال : لي خصومة مع قسيم الدولة البرسقي وأطلب حضوره إلى مجلس الحكم ، فسيّر القاضي إليه ودعاه فأجاب وحضر مجلس الحكم ، فلم يقم له القاضي وساوى بينه وبين خصمه في ترك القيام والاحترام ، وادعى عليه الوكيل وأثبت الوكالة واعترف البرسقي بالصداق ، فأمره القاضي بدفعه إليه فأخذه وقام إلى خزانته ودفع إليه الصداق.
ثم إنه أمر القاضي أن يتخذ مسمارا على باب داره يختم عليه بشمعة وعلى المسمار منقوش : أجب داعي الله ، وأنه من كان له خصم حضر وختم بشمعة على ذلك المسمار ويمضي بالشمعة المختومة إلى خصمه كائنا من كان ، فلا يجسر أحد على التخلف عن مجلس الحكم.
وقرأت بخط الحافظ أبي طاهر السلفي ( عالم الإسكندرية ) : وسنقر البرسقي ولي العراق سنتين وبلغ مبلغا عظيما ، ثم ولي ديار مضر ودار ملكه الموصل ثم حلب وكثيرا من مدن الشام ، وجاهد الفرنج ، ثم قتله بعض الملاحدة لعنهم الله ، وكان سيفا عليهم قلّ ما يرى في جيشه مثله رحمهالله ورضي عنه ، رأيته بالعراق في حال ولايته وبالشام قبل أن وليها.
وقال لي عز الدين أبو الحسن بن الأثير : في سنة عشرين وخمسمائة قتل آقسنقر البرسقي بالجامع العتيق بالموصل بعد الصلاة يوم الجمعة قتله باطنية ، وكان رأى تلك الليلة في منامه أن عدة من الكلاب ثاروا به فقتل بعضها ونال منه الباقون أذى شديدا ، فقص رؤياه على أصحابه فأشاروا عليه بترك الخروج من داره عدة أيام فقال : لا أترك الجمعة لشيء أبدا ، وكان يشهدها في الجامع مع العامة ، فحضر الجامع على عادته فثار به الباطنية ما يزيد عن عشرة أنفس فقتل بيده منهم ثلاثة وقتل رحمهالله.
قرأت بخط أبي الفوارس حمدان بن عبد الرحيم في تاريخه الذي جمعه ووقع إليّ منه أوراق نقلت منها في حوادث سنة عشرين وخمسمائة أن البرسقي سلم حلب وتدبيرها إلى ولده الأمير عز الدين مسعود ، فدخل حلب وأجمل السيرة وتحلى بفعل الخير ، وسار أبوه إلى الموصل والجزيرتين وما هو جار في مملكته حتى دخل شهر ذي القعدة من السنة ، فلما كان يوم الجمعة تاسع الشهر قصد الجامع بالموصل ليصلي جماعة ويسمع الخطيب كما جرت