وكان قبل وصوله إلى رضوان خادما لتاج الرؤساء ابن الحلال فدبر أسوأ تدبير مع سوء تدبيره في نفسه ، وكان أمر الباطنية قد قوي بحلب في أيام أبيه وبايعهم خلق كثير على مذهبهم طلبا لجاههم وصار كل من أراد أن يحمي نفسه من قتل أو ضيم التجأ إليهم ، وكان حسام الدين بن دملاح وقت وفاة رضوان بحلب فصاروا معه وصار إبراهيم العجمي الداعي من نوابه في حفظ القلعة بظاهر بالس ، فكتب السلطان محمد بن ملكشاه إلى آلب أرسلان وقال له : كان والدك يخالفني في الباطنية وأنت ولدي فأحب أن تقتلهم ، وسرع الرئيس أبو بديع متقدم الأحداث في الحديث مع آلب أرسلان في أمرهم وقرر الأمر معه على الإيقاع بهم والنكاية فيهم ، فساعده على ذلك فقبض على أبي طاهر الصايغ وقتله وقتل إسماعيل الداعي وأخا الحكيم المنجم والأعيان من أهل هذا المذهب بحلب وقبض على زهاء مائتي نفس منهم وحبس بعضهم واستصفى أموالهم وشفع في بعضهم ، فمنهم من أطلق ومنهم من رمي من أعلى القلعة ومنهم من قتل ، وأفلت جماعة منهم فتفرقوا في البلاد وهرب إبراهيم الداعي من القلعة إلى شيزر وخرج حسام الدين بن دملاح عند القبض عليهم فمات في الرقة.
وطلب الفرنج من آلب أرسلان المقاطعة التي لهم بحلب فدفعها إليهم من ماله ولم يكلف أحدا من أهل حلب شيئا منها. ثم إن آلب أرسلان رأى أن المملكة تحتاج إلى من يدبرها أحسن تدبير وأشار خدمه وأصحابه عليه بأن كاتب أتابك طغتكين أمير دمشق ورغب في استعطافه وسأله الوصول إليه ليدبر حلب والعسكر وينظر في مصالح دولته ، فأجابه ورأى موافقته لكونه صبيا لا يخافه الكفار ولا رأي له ، فدعا له على منبر دمشق بعد الدعوة للسلطان وضربت السكة باسمه وذلك في شهر رمضان ، وأوجبت الصورة بأن خرج آلب أرسلان بنفسه في خواصه وقصد أتابك إلى دمشق ليجتمع معه ويؤكد الأمر بينه وبينه ، فلقيه أتابك على مرحلتين وأكرمه ووصل معه وأنزله بقلعة دمشق وبالغ في إكرامه وخدمته والوقوف على رأسه ، وحمل إليه دست ذهب وطيرا مرصعا وعدة قطع مثمنة وعدة من الخيل وأكرم من كان في صحبته ، وأقام بدمشق أياما وسار في أول شوال عائدا إلى حلب ومعه أتابك وعسكره ، فأقام عنده أياما واستخلص كمشتكين البعلبكي مقدم عسكره ، وكان قد أشار عليه بعض أصحابه بقبضه فقبض جماعة من أعيان عسكره وقبض