بالقبة الصغيرة المبنية بالحجارة من حذاء المسجد ، وكان قسيم الدولة بنى مشهد قرنبيا لمنام رآه بعض أهل زمانه ووقف عليه وقفا فدفن إلى جنبه وعمر على قبره تلك القبة ، فلما ملك زنكي حلب آثر أن يبني لأبيه مكانا ينقله إليه وكانت المدرسة بالزجّاجين لم تتم وكان شرف الدين أبو طالب بن العجمي هو الذي يتولى عمارة هذه المدرسة فأشار على زنكي أن ينقل أباه إليها فنقله وتمم عمارة المدرسة ووقف على من يقرأ على قبره القرية المعروفة بشامر وهي جارية إلى الآن (١). وأخبرني أبو حامد عبد الله بن عبد الرحمن بن العجمي قال : أراد أتابك زنكي أن ينقل أباه إلى موضع يجدده عليه ويليق به فقال له : إني أنا قد عمرت هذه المدرسة بالزجّاجين ، وسأله أن ينقل أباه إليها ففعل واتخذ الجانب الشمالي تربة لأبيه ولمن يموت من ولده وغيرهم. وحكى لي والدي رحمهالله أن أتابك زنكي لما نقل أباه من قرنبيا وأدخله إلى المدرسة بالزجّاجين لم يدخل به من باب من أبواب مدينة حلب وأنهم رفعوه من بعض الأسوار ودلوه إلى المدينة لأنهم يتطيرون بدخول الميت إلى البلدة.
قرأت بخط أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد العظيمي وأنبأنا به عبد المؤيد بن محمد الطوسي وغيره قال سنة ثمانين وأربعمائة دولة قسيم الدولة وزيره أبو المعز بن صدقة ( هكذا ) : فيها استقرت الرتبة بحلب للأمير قسيم الدولة آقسنقر من قبل السلطان العادل أبي الفتح وتوطدت له الأمور بها وأقام الهيبة العظيمة التي لا يقدر عليها أحد من السلاطين ، وأظهر فيها من العدل والإنصاف مع تلك الهيبة ما يطول شرحه ، ورخصت الأسعار في أيامه الرخص الزائد عن الحد ، وقرب الحلبيين وأحبهم الحب المفرط وأحبوه أضعاف ذلك ، وأقام الحدود وأحيا أحكام الإسلام وعمر الأطراف وآمن السبل وقتل قطاع الطريق وطلبهم في كل فج وشنق منهم خلقا. وكلما سمع بقاطع طريق في موضع قصده وأخذه وصلبه على أبواب المدينة ، وكثرت في أيامه الأمطار وتفجرت العيون والأنهار وعامل أهل حلب من الجميل ما أحوجهم أن يتوارثوا الرحمة عليه إلى آخر الدهر اه.
__________________
(١) قال ابن خلكان في ترجمته : ورأيت عند قبره خلقا كثيرا يجتمعون كل يوم جمعة لقراءة القرآن الكريم وقالوا إن لهم على ذلك وقفا عظيما ، وابن خلكان تلقى علومه في حلب دخلها سنة ٦٢٦ وخرج منها سنة ٦٣٥ كما ذكره في ترجمة ابن يعيش وابن شداد.