ـ ١٣ ـ
ويقول الدكتور حسين الهمداني الباكستاني حول رسالة الأزهر : حفلت البلاد الإسلامية منذ انبثق فجر الإسلام بدور العلم ومعاهد العرفان في وقت كانت ظلمات الجهل تجثم فيه فوق ربوع العالم العربي ، ومع أن هذه الدرر كانت تتسم بطابع خاص هو الطابع الإسلامي فإنها كانت تتوسم في نظامها واتجاهاتها الحرص على توفير أسباب الطمأنينة في نفوس طلاب العلم وتوثيق الصلة بينهم وبين أساتذتهم وإشاعة تلك الروح الجامعية التي يجب توافرها في معاهد العلم العليا مثل ما يشاهده المرء الآن في أعرق الجامعات العربية. ويلوح أنه لم يكن ثمة مناص من أن تغدوا المساجد والجوامع مقرا لنشر المعرفة كما كانت وما زالت مصدرا لبث الهداية والرشد في نفوس الناس في الوقت ذاته. ولم يكن هناك تعارض في اضطلاعها بالمهمتين ، فإن الدين الإسلامي الذي يأمر بالتسامح والمساواة ويحث على طلب المعرفة ولو اقتضى الأمر الاغتراب في مشارق الأرض ومغاربها ما كان ليجد خيرا من المساجد بجوها القدسي لغرس العلم والمعرفة في نفوس المسلمين ، بل إن اختيار المساجد لهذا الغرض يحمل في طياته الإقرار بقداسة العلم ووجوب تطهيره من حمأة الأغراض الدنيوية والبعد به عن كل جو ينحرف به عن قدسيته. وقد ظهر في الإسلام معاهد علمية عظيمة القدر رفيعة الاسم ، وكان الحكام يتنافسون في إنشائها ، فأنشىء الأزهر في عام ٣٦١ ه (٩٧١ م) وأنشئت الكلية النظامية في عام ٤٥٩ ه (١٠٦٦ م) ، وأنشئت الصالحية في القدس عام ٥٨٣ ه (١١٨٧ م). وكان الغرض من إنشاء هذه المعاهد هي وغيرها بادىء الأمر ـ وباستثناء المستنصرية ـ هو تدريس المذاهب الدينية والدعوة لها ، فأنشىء الأزهر لتدعيم المذهب الشيعي في مصر بعد فتحها على يد الفاطميين.
وأنشئت النظامية هي والصلاحية لدعم المذهب الشافعي بينما أنشئت المستنصرية لتدريس المذاهب الأربعة وكان بها كلية لتدريس الطب وأخرى