وقابل ظهور هؤلاء بمصر أن ظهر بتونس أمثال ابن هارون الطائي ، وابن الغماز ، والتجاني وابن هارون الكناني ، وابن عبد السلام ، فاعتمدوا كتب المصريين ورووا عنهم ، ورووا عن المتخرجين بهم ، مثل ابن زيتون ، وابن راشد.
وكان ، في القرن السابع ، والذي بعده ، للرحالين المشاهير ، الذين رحلوا من تونس إلى مصر أثر في إشاعة أسماء الأعلام من القطرين ، كل في القطر الآخر ونعني بهؤلاء أمثال ابن جابر الوادناشي ، صاحب الفهرس المفصل الممتع الذي يوجد مخطوطا بالأسكوريال ، جمع فيه تراجم شيوخه والكتب التي أخذها عنهم ، وأسانيدهم في تلك الكتب إلى مؤلفها ، وبواسطته اتصل كثير من شيوخ مصر بالتونسيين ، كما اتصل كثير من شيوخ تونس بالمصريين من طريقه مباشرة أو بواسطة (١) ابن رشيد الفهري السبتي المتوفى بفاس سنة ٧٢١ ، صاحب الرحلة الشهيرة التي شملت الأندلس والمغرب الأقصى والقطر الجزائري والقطر التونسي ومصر والشام والحرمين الشريفين ، فاتسعت رواياته ، وكثرت لقاءاته ، وجمع أحاديث ذلك كله في رحلته الحافلة التي سماها «ملء العيبة بما جمع طول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة» (٢) وقد جمع في مشايخه أعلاما من التونسيين : مثل ابن هارون الطائي وابن زيتون ، وأعلاما من المصريين : مثل الحافظ المنذري وابن دقيق العيد ، وتواصلت بواسطته أسانيد هؤلاء ، كما تلاقت فيه كثير من الأسانيد المغربية والأسانيد المشرقية ، وخالد البلوري الذي رحل أواسط القرن الثامن بعد أن أقام بتونس ، ودخل مصر ، وجمع من أخبار مشيخته في القطرين ، وأورد عنهم من فوائد العلوم ونكت
__________________
(١) ترجمته في الديباج ص ٣١١ ط السعادة.
(٢) ترجم له المقري في أزهار الرياض أثناء ترجمة ابن الحكيم في الكلام علي ابن خميس أواخر الروضة الأولى : روضة الورد ، وقال عن رحلته أنه جمع فيها من الفوائد الحديثة والفوائد الأدبية ، كل قريبة وغريبة ، وتوجد رحلة ابن رشيد منقوصة في الأسكوريال ويقوم على تحقيقها ودراستها وفهرستها ابنتا الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة.