دون أن يسهر على تطبيقها ... وهذا التطبيق لا يخص سلوك الفرد في نفسه ، أو في أماكن عبادته وكفى ، لأن قانون الإسلام ، الذي هو موضوع التطبيق ، لا يعرف هذا الفصل بين الدين وشئون الحياة ، بل إن قواعده العملية تمتد إلى جميع ميادين النشاط الاقتصادي والأخلاقي ، في حياة الفرد ، والأسرة. والأمة ، بل في حياة الجماعة الإنسانية كلها.
وقد عنى الأزهر ـ إلى جانب تكوينه لأسرة التدريس ـ بتخريج جماعة من المصلحين الاجتماعيين ، ليكونوا في صلة دائمة بالشعب ، ويتجهوا إليه بإرشاداتهم في كل مناسبة. ولدى الأزهر منهم الآن أكثر من ٢٥٠ واعظا ، موزعون توزيعا متناسبا بين العاصمة وسائر الأقاليم ، وإن «العدالة» و «الأمن» لمدينان أعظم الدين لجميل نصائحهم التي يوجهونها إلى الجماهير ، وإلى الأسوة الحسنة التي يقدمونها لهم في سيرتهم الشخصية ، وإلى طرق الإصلاح التي يمهدونها لهم في المنازعات ، كما تشهد بذلك السجلات الرسمية. وفي الوقت نفسه نجد في الأزهر لجنة دائمة من العلماء تتلقى المكاتبات من كل سائل ، عما أشكل عليه من أحوال السلوك وشئون المعاملات ، وتجيبه بما يزل شبهته ، وينير له السبيل السوي.
ومن وراء ذلك كله ـ وفوق كل هذه الخدمات الجليلة ـ يتمتع الأزهر بسلطة معنوية أكثر عمقا ، وأبعد حدودا ، يستعملها في توجيه المجتمع الإسلامي ، لا في مصر وحدها ، بل في سائر البلاد الإسلامية. وهاهنا أيضا لا تعوزنا الشواهد لإبراز هذه الحقيقة. فلقد أتى على عرش مصر لحظة من الزمن ، في سنة ١٨٠٥ م ، كان فيها يبدو مترددا بين «خورشيد» و «محمد علي». فكان الثقل الذي وضعه نفوذ الأزهر هو الذي رجح كفة الميزان في جانب محمد علي ، ووضع الباب العالي أمام الأمر الواقع في اختياره واليا على مصر. وفي سنة ١٩١٩ كان الأزهر هو المنبر الذي ارتفع منه أقوى صوت في المطالبة بإلغاء الحماية الانجليزية ، وكان حرم الأزهر هو المهد الذي ولدت فيه الوحدة التي لا تنفصم عراها بين أقباط مصر