وشيد الأزهر وتم تشييده في عامين وافتتح فعلا للصلاة في ٧ رمضان عام ٣٦١ ه وقام رجال الدولة بإلقاء المحاضرات العامة فيه بين حين وحين إلى أن تولى العزيز بن المعز لدين الله العرش (من عام ٣٦٥ إلى ٣٨٦ ه) فاتجه بعنايته إلى الأزهر وجعله معهدا علميا منظما ، شمله برعايته الكاملة ، واختار للدراسة فيه أساطين الفقه الشرعي من شتى أنحاء العالم الإسلامي وأحاطهم بشتى أسباب الرعاية والتقدير وكان من بين هؤلاء وزير العزيز بالله يعقوب بن كلس (١).
وقام الأزهر بما طلبته منه الدولة ، وما هيأته له ، فأخذ ينشر العقيدة الاسماعيلية ويدرس مبادئها السياسية وتشريعاتها الفقهية ، وأصولها المذهبية واتجاهاتها الفكرية فضلا عن عنايته بالكثير من الدراسات العقلية واللغوية والأدبية ـ وصار أعظم بيئة علمية وأحفلها في الشرق الإسلامي بهذه الدراسات ، التي خرج فيها جيلا جديدا من العلماء الذين أصبحوا يد الدولة ودعاتها وقوام الحياة السياسية والاجتماعية والعقلية والأدبية فيها ، كانت الدولة الفاطمية تشمل بنفوذها السياسي حوض البحر الأبيض الأفريقي كله من مراكش إلى الشام ، فضلا عن الحجاز ويهفو إليها جميع الاسماعيليين في العراق وإيران والهند بقلوبهم ، ويتجهون إليها بشعورهم وكان الأزهر هو المثابة العظيمة للعلم والتفكير والثقافة في هذه الأقطار كلها ، وهو الذي يحمل مشعل النور والهداية إلى سائر هذه الأمصار ، ووفدت إليه أفواج الشباب من شتى هذه الأرجاء ، ترتوي من معينه ـ وتقتبس من نوره وتهتدي بهديه ، وتضافرت هذه العوامل الأجنبية والسياسية والفكرية كافة على تكوين شخصية مستقلة لهذه الجامعة الجديدة ، ظهر أثرها الفذ في الثقافة الإسلامية في مصر وجاراتها الشقيقة على عهد الدولة الفاطمية.
ومن العبث أن نوازن بين الأزهر حينئذ وبين المدرسة النظامية التي كان يدرس فيها أقطاب العلماء ببغداد كالغزالي وسواه ، لأن مواد هذه
__________________
(١) من محاضرة ألقاها المؤلف عام ١٩٤٠