سنة ٣٦٥ ه كما تقدم ، وعقدها قاضي القضاة علي بن النعمان وقرأ فيها مختصر أبيه في فقه آل البيت وهو الكتاب المسمى «الاقتصار» في جمع حافل أثبتت فيه أسماء الحاضرين. وفي سنة ٣٧٨ ه أذن العزيز بالله لوزيره ابن كلس أن يعين بالأزهر جماعة من الفقهاء للدرس والقراءة ، وكانوا يعقدون «حلقاتهم» الدراسية بالجامع يوم الجمعة من بعد الصلاة إلى العصر ، وهم أول أساتذة أجريت عليهم من الدولة رواتب خاصة حسبما قدمنا. وفي هذين النصين القديمين ما يوضح لنا نظم الدراسة الأساسية بالأزهر ، وهي نظم كان قوامها الحلقة الدراسية ، فيجلس الأستاذ ليقرأ درسه في حلقة من تلاميذه والمستمعين اليه ، وتنظم الحلقات في الزمان والمكان طبقا للمواد التي تدرس ، ويجلس أستاذ المادة من فقه أو حديث أو تفسير أو نحو أو بيان أو منطق أو غيرها في المكان المخصص لذلك من أروقة الجامع أو أبهائه ، وأمامه للطلبة والمستمعون يصغون إليه ويناقشونه.
وكان الأزهر مذ بدأت فيه الدراسة مفتوح الباب لكل مسلم يقصد إليه الطلاب من مشارق الأرض ومغاربها ، وكان يضم بين طلبته دائما إلى جانب الطلاب المصريين عددا كبيرا من أبناء الأمم الاسلامية يتلقون الدراسة ، وتجري عليهم الأرزاق ، وتقيم كل جماعة منهم في مكان خاص بها. وهذا هو نظام الأروقة الشهير الذي نعتقد أنه بدأ في عصر مبكر جدا (١) ، والذي استمر قائما حتى العصر الأخير ، وما زالت منه إلى اليوم بقية بالجامع الأزهر. ومعظم سكان الأروقة الباقية اليوم من الطلبة الغرباء. ويذكر المقريزي أن عدد الطلبة الغرباء الذين كانوا يلازمون الإقامة بالأزهر في الأروقة الخاصة بهم في عصره ـ أعني في أوائل القرن التاسع ـ بلغ سبعمائة وخمسين ، ما بين «عجم وزيالعة ومن أهل ريف
__________________
(١) يستفاد من أقوال المقريزي أن نظام الأروقة قد بدأ بالأزهر منذ بناء الجامع ذاته (الخطط ج ٤ ص ٥٤)