الذي لا يليق معهم. وهم أصحاب الحكم والسلطان ، ولكن الشيخ صمم على فتواه ، وزاد على ذلك فصار لا يصحح لهم بيعا ولا شراء ولا نكاحا ولا أي تصريف في أمور الناس وشؤون الحكم حتى تعطلت مصالحهم ، وتوقفت أعمالهم ، وهم في كل هذا يتعاظمون ويعجبون من جرأة ذلك الشيخ ، وما في مقدور أحد أن ينكر عليهم أي شيء.
ورفع الأمراء الأمر إلى السلطان ، وشكو إليه من هذه الجرأة التي هوت بمكانتهم بين الناس. وأرسل السلطان إلى الشيخ ابن عبد السلام يصرفه عن غايته ، وبين له ما في هذه الفتوى من الإضرار بأولئك الأمراء الذين لهم شأنهم في شؤون الحكم ، وكان ابن عبد السلام يقدر تماما أنه. وفد على مصر غريبا لا أهل له ، فقيرا لا مال عنده وليس له من قوام. الحياة إلا هذا المنصب الذي يجلس فيه ، وزمام المناصب كلها بيد السلطان ، ولكن حب الدنيا لم يكن أفسد نفوس رجال الدين في ذلك الزمن ، وما لرجل مثل ابن عبد السلام ترك وطنه راضيا ، واحتمل السجن وشظف العيش في سبيل الرأي والحق ، أن يثنيه عن الحق مطلب من مطلب العيش أو رغبة في منصب مهما يكن جاهه ، فأرسل الى السلطان بأنه لا بد منفذ لفتواه لانها كلمة الشرع وحق الإسلام ، وأنه سينادي على أولئك الأمراء بالبيع ويقبض ثمنهم ، وإلا فإنه سيعزل نفسه من منصب القضاء ويترك فتواه قائمة في أقطار الإسلام يعول عليها المسلمون في تصريف أمورهم.
وانكمش السلطان بجبروته أمام الشيخ في إبائه وجرأته ، وتلمس نائب السلطان بابا آخر لصرف الشيخ عن إصراره «فأرسل إليه بالملاطفة والملاينة والرجاء أن يراجع نفسه في تلك الفتوى الجريئة وأن يتصرف بما يتفق ومكانة الأمراء بين الناس ، ولكن الشيخ الذي كان لا يرهبه في الحق شدة ، كان من الأولى ألا تجدي معه في الحق ملاطفة أو ملاينة.
وعظم الخطب على نائب السلطنة ، وثار به الغضب ثورته ، وقال :