فأقام بها إلى عاشر رجب سنة ثمان وثمانين ، ثم سار إلى يافا فأخذها بعد حروب وعاد إلى القدس وعقد الهدنة بينه وبين الفرنج مدّة ثلاث سنين وثلاثة أشهر ، أوّلها حادي عشر شعبان ، على أنّ للفرنج من يافا إلى عكا إلى صور وطرابلس وأنطاكية ، ونودي بذلك ، فكان يوما مشهودا ، وعاد السلطان إلى دمشق فدخلها خامس عشري شوّال وقد غاب عنها أربع سنين ، فمات بها في يوم الأربعاء سابع عشري صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة ، عن سبع وخمسين سنة ، منها مدّة ملكه بعد موت العاضد ، اثنتان وعشرون سنة وستة عشر يوما ، فقام من بعده بمصر ولده.
السلطان الملك العزيز عماد الدين أبو الفتح عثمان (١) : وقد كان يومئذ ينوب عنه بمصر وهو مقيم بدار الوزارة من القاهرة ، وعنده جلّ عساكر أبيه من الأسدية والسلاحية والأكراد ، فأتاه ممن كان عند أخيه الملك الأفضل عليّ ، الأمير فخر الدين جهاركس ، والأمير فارس الدين ميمون القصريّ ، والأمير شمس الدين سنقر الكبير ، وهم عظماء الدولة ، فأكرمهم. وقدم عليه القاضي الفاضل فبالغ في كرامته ، وتنكر ما بينه وبين أخيه الأفضل ، فسار من مصر لمحاربته وحصره بدمشق ، فدخل بينهما العادل أبو بكر حتى عاد العزيز إلى مصر على صلح فيه دخل ، فلم يتم ذلك ، وتوحش ما بينهما وخرج العزيز ثانيا إلى دمشق ، فدبر عليه عمه العادل حتى كاد أن يزول ملكه وعاد خائفا ، فسار إليه الأفضل والعادل حتى نزلا بلبيس ، فجرت أمور آلت إلى الصلح ، وأقام العادل مع العزيز بمصر ، وعاد الأفضل إلى مملكته بدمشق ، فقام العادل بتدبير أمور الدولة ، وخرج بالعزيز لمحاربة الأفضل فحصراه بدمشق حتى أخذاها منه بعد حروب وبعثاه إلى صرخد ، وعاد العزيز إلى مصر وأقام العادل بدمشق حتى مات العزيز في ليلة العشرين من محرّم سنة خمس وتسعين وخمسمائة ، عن سبع وعشرين سنة وأشهر ، منها مدّة سلطنته بعد أبيه ست سنين تنقص شهرا واحدا ، فأقيم بعده ابنه.
السلطان الملك المنصور ناصر الدين محمد (٢) : وعمره تسع سنين وأشهر بعهد من أبيه ، وقام بأمور الدولة بهاء الدين قراقوش الأسديّ الأتابك ، فاختلف عليه أمراء الدولة وكاتبوا الملك الأفضل عليّ بن صلاح الدين ، فقدم من صرخد في خامس ربيع الأوّل ، فاستولى على الأمور ولم يبق للمنصور معه سوى الاسم ، ثم سار به من القاهرة في ثالث رجب يريد أخذ دمشق من عمه العادل بعد ما قبض على عدّة من الأمراء ، وقد توجه العادل إلى ماردين ، فحصر الأفضل دمشق ، وقد بلغ العادل خبره فعاد وسار يريده حتى دخل دمشق ، فجرت حروب كثيرة آلت إلى عود الأفضل إلى مصر بمكيدة دبرها عليه العادل ، وخرج العادل في أثره وواقعه على بلبيس فكسره في سادس ربيع الآخر سنة ست وتسعين ،
__________________
(١) انظر النجوم الزاهرة ج ٦ ص ١٠٩.
(٢) انظر ترجمته في النجوم الزاهرة ج ٦ ص ١٣١.