ذراعا ، وهذه الزيادة كانت على خلق آبائهم ، وقيل : على خلق قوم نوح ، وقال وهب بن منبه : كان رأس أحدهم مثل قبة عظيمة ، وكانت عين الرجل منهم تفرخ فيها السباع ، وكذلك مناخرهم.
وروى شهر بن حوشب (١) عن أبي هريرة رضياللهعنه : إنه قال : إن كان الرجل من قوم عاد ليحمل المصراعين لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يطيقوه ، وإن كان أحدهم ليغمز بقدمه الأرض فيدخل فيها.
وروى عبد الله بن لهيعة ، عن يزيد بن عمرو المعافريّ ، عن ابن بجرة ، قال : استظل سبعون رجلا من قوم موسى عليهالسلام ، في قحف رجل من العماليق. وعن زيد بن أسلم : بلغني أنّ الضبعة وأولادها ربين في حجاج عين رجل من العماليق ، وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) [الفجر / ٨].
قال المبرّد : وقولها يعني الخنساء : رفيع العماد إنما تريد الطول ، يقال : رجل معمد : يريد طولا ومنه قوله تعالى : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ) أي : الطوال.
وقال البغويّ : سموا ذات العماد لأنهم كانوا أهل عمدة سيارة ، وهو قول قتادة ومجاهد والكلبيّ ، ورواية عطاء عن ابن عباس ، وقال بعضهم : سموا ذات العماد لطول قاماتهم ، قال ابن عباس : يعني طولهم مثل العماد ، قال مقاتل : كان طول أحدهم اثني عشر ذراعا.
وفي كشاف الزمخشريّ : لم يخلق مثلها ، مثل عاد في البلاد عظم أجرام وقوّة ، كان طول الرجل منهم أربعمائة ذراع ، وكان يأتي الصخرة العظيمة فيحملها ، فيلقيها على الحيّ فيهلكهم ، وقد ذكر غير واحد أنه وجد في خلافة المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد ، كنز بمصر فيه ضلم إنسان طوله أربعة عشر شبرا في عرض ثلاثة أشبار.
واعلم أن أعين بني آدم ضيقة وقد نشأت نفوسهم في محل صغير ، فإذا حدّث القوم بما يتجاوز مقدار عقولهم أو مبلغ أجسامهم مما ليس له عندهم أصل يقيسونه على إلا ما يشاهدونه ، أو يألفونه عجلوا إلى الارتياب فيه ، وسارعوا إلى الشك في الخبر عنه ، إلّا من كان معه علم وفهم ، فإنه يفحص عما يبلغه من ذلك حتى يجد دليلا على قبوله ، أو ردّه ، وكيف يردّ مثل هذه الأخبار. وفي الصحيح : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «حلق الله آدم طوله ستون ذراعا في السماء» ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن.
وذكر محمد بن عبد الرحيم بن سليمان بن ربيع القيسيّ الغرناطيّ في كتاب تحفة
__________________
(١) شهر بن حوشب الأشعري : فقيه قارىء من رجال الحديث ، شامي وسكن العراق وهو متروك الحديث ، ولد سنة ٢٠ ه وتوفي سنة ١٠٠ ه. الأعلام ج ٣ / ١٧٨.