وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) ولا ينتقض بما كان من تأثير الهجرة في الطّلب بما لا يكون في الإقامة.
وقد حمّقوا رجلا سار في طلب العلم من العراق وعنده عليّ بن طالب ، وكأنّ الإكباب على السّراج في المطالعة صار طبيعيا لصاحب العمائم ، وإلا .. فمن حقّ اللّبيب أن يعتبر بواحدة ، وقديما كان يقال : (من لدغته الأفعى .. خاف من الحبل) فهو مع الاستغراق يهوّن من وطأة الإشكال الّذي ذكرت ـ عنده ـ ما أخرجه أبو نعيم في «الحلية» [٣ / ٣١٢] بسنده إلى عطاء بن أبي رباح قال : (إن كانت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لتعجن ، وإنّ قصّتها لتكاد أن تضرب الجفنة).
توفّي صاحب العمائم بتريم آخر سنة (٧٦٧ ه) ، وتنتهي هذه الطّبقة بالعيدروس ، وجلّهم كما قال الشّريف [في «ديوانه» ١ / ٤٠٥ من الطّويل] :
أقاموا بأقطار العلا وتناقلوا |
|
عليها وأبدوا في العلا وأعادوا |
إلى حسب منه على البدر عمّة |
|
وفي عاتق الجوزاء منه نجاد |
إذا وقفوا في المجد خافوا نقيضه |
|
فتمّوا على عنف السّياق وزادوا |
وهؤلاء هم الّذين يقول المغربيّ في «رحلته» أنّهم أشبه بالملائكة.
وأمّا الطّبقة الثّالثة .. فمن العيدروس إلى تمام القرن الثّالث عشر :
فاستأنفوا العزّ مخضرّا زمانهم |
|
كأنّما الدّهر فيهم روضة أنف (١) |
تسعى البكار معنّاة وقد ملكت |
|
أولي الجمام عليها الجلّة الشّرف |
ثمّ رأيت في مناقب سيّدنا الحسن بن عبد الله الحدّاد المسمّى : «المواهب والمنن» لحفيده العلّامة علويّ بن أحمد بن الحسن ما نصّه : ولم يلبس بعد الحجّ إلّا الخوذة والبثت من غزل الحاوي والسّبير فوق الشّقّة ، وفي البيت الشّقّة والكوفيّة البيضاء المخرّمة ، والعمامة للجمعة والزّيارة والأوّابين في البلد ، وسروال وقميص من البفت وفوقه أيضا بفت ، وكان حجّه في سنة (١١٤٨ ه).
__________________
(١) البيتان من البسيط ، وهما للشريف الرضي في «ديوانه» (٢ / ٧ ـ ٨).