في طيّه من الاستكثار من المصائب ، فسحبت عندئذ ما كان منّي من استحسان ذلك ، وتبت عنه توبة صادقة أرجو الله قبولها.
وما أشدّ ما يسيء هؤلاء الشّعراء الأدب ويقلّون الحياء ؛ فمثل كلام أبي فراس لا يليق بخطاب المخلوق ، ومن ثمّ صرفه المفتونون بجماله إلى خطاب الخالق غفلة عمّا فيه من التّعرّض للبلاء المنهيّ عن مثله ، وكمثله قول البحتريّ للفتح بن خاقان [من الطّويل] :
ويعجبني فقري إليك ولم يكن |
|
ليعجبني لو لا محبّتك الفقر |
وقد صرفته إلى الباري عزّ وجلّ في قصيدة إلهيّة جرى لي فيها حديث لا أملّ به ، فأرجو أن لا يلحقني بأس بعد ؛ إذ لا يحسن غير المأثور ، وقد فتن الرّضيّ بهذا البيت ، وأغار عليه فلم يحسن الاتّباع حيث يقول [في «ديوانه» ١ / ٥٤١ من الطّويل] :
فما كان لولاكم يمرّ لي الغنى |
|
ويحلو إلى قلبي الخصاصة والفقر |
ومن الغلوّ الممقوت قول ابن هانىء الأندلسّي [من البسيط] :
أتبعته فكرتي حتّى إذا بلغت |
|
غاياتها بين تصويب وتصعيد |
أبصرت موضع برهان يلوح وما |
|
أبصرت موضع تكييف وتحديد |
ولقد احترست حين تمثّلت في ذي أصبح ببيت من شعر المتنبّي لا يخلو عن الغلوّ ، على أنّ الرّوح لا تنفد فلا ينفد وصفها.
ومن التّرّهات الممقوتة أيضا : قول أبي عبد الله الخليع ، يخاطب أحمد بن طولون المتوفّى سنة (٢٧٠ ه) [من الكامل] :
أنا حامد أنا شاكر أنا ذاكر |
|
أنا جائع أنا راجل أنا عاري |
هي ستّة وأنا الضّمين لنصفها |
|
فكن الضّمين لنصفها بعيار |
ولذا نقلهما كسابقيهما أهل الحقّ إلى خطاب الباري عزّ وجلّ ، وأبدلوا قافية الثّاني ب «ياباري» فكانت أعذب وأطيب.
وكنت معجبا بمختارات حافظ ، ومع ذلك .. فإنّي أفضّل عليه الأستاذ ، حتّى قلت