طاووس بن كيسان. فقال مثل قوله الأوّل .. فأجبته بمثل قولي في عطاء. قال : فمن يسود أهل مصر؟ قلت : يزيد بن أبي حبيب. قال : فمن يسود أهل دمشق؟ قلت : مكحول ، وهو عبد نوبيّ أعتقته امرأة من هذيل. قال : فمن يسود أهل الجزيرة؟ قلت : ميمون بن مهران. قال : فمن يسود أهل خراسان؟ قلت : الضّحّاك بن مزاحم. قال : فمن يسود أهل البصرة؟ قلت : الحسن بن أبي الحسن. وهو في كلّ ذلك يسألني مثل سؤاله عن عطاء ، وأجيبه بمثل جوابي فيه ، حتّى قال : من يسود أهل الكوفة؟ قلت : إبراهيم النّخعيّ.
قال : من العرب أم من الموالي؟ قلت : بل من العرب. قال : ويلك يا زهريّ! فرّجت عنّي ، والله لتسودنّ الموالي حتّى يخطب لها على المنابر والعرب من تحتها. قلت : إنّما هو أمر الله ودينه ، من حفظه .. ساد ، ومن ضيّعه .. سقط) اه مختصرا.
وما كان ابن مروان ليجهل حال أولئك ، وإنّما هو من سوق المعلوم مساق المجهول ؛ لنكتة هي ـ فيما أرجّح ـ قرّة عينه بانصراف العرب عن العلم ؛ لئلّا يستحقر نفسه في جانبهم ، خلاف ما يتظاهر به من قوله : (فرّجت عنّي) ؛ إذ لو كان أولئك من قريش فضلا عن أن يكونوا هاشميّين .. لاستشاط غضبا ، وتأجّج حسدا ، لا سيّما وأشدّ النّاس حسدا هم الملوك كما قيل.
وما كانت قريش إذ ذاك خالية من العلم ، ولكنّهم ضيّقوا عليهم الأنفاس ، وأخذوا منهم بالمخنق ، وقد أشرت إلى شيء من انصرافهم عن العلم أوائل «النّجم المضي في نقد عبقرية الرّضي».
وفي آخر الجزء الأوّل من «البيان والتّبيين» للجاحظ : أنّ رجلا من بني العبّاس قال : ليس ينبغي للقرشيّ أن يستغرق في شيء من العلم إلّا علم الأخبار ، فأمّا غير ذلك .. فالنّتف والشّدو من القول.
وفيه أيضا : (أنّ رجلا من قريش مرّ بفتى من ولد عتّاب بن أسيد يقرأ «كتاب سيبويه» ، فقال : إنّ لكم علم المؤدّبين وهمّة المحتاجين).