من الخفرات اللّاء ودّ جليسها |
|
إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها |
ثمّ ظفر هو بقول الآخر [من السّريع] :
والله ما جئتكم زائرا |
|
إلّا رأيت الأرض تطوى لي |
ولا انثنى عزمي عن بابكم |
|
إلّا تعثّرت بأذيالي |
فكان كثير التّغنّي بهما ، وهو معنى واسع للشّعراء فيه مجال ، ولم ينس المتنبّي حظّه من هذا المعنى ، لكن من غير إجادة ، حيث يقول [في «العكبريّ» ١ / ٦٣ من الطّويل] :
أتى مرعشا يستقرب البعد مقبلا |
|
وأدبر إذ أقبلت يستبعد القربا (١) |
وكانت ترعد عنده فرائص الملوك ؛ لما عندهم من احترام الحقّ وهيبة الدّين ، ولما يرون عليه من عزّة الإيمان وشرف العلم ، وصولة الحقّ ، وسلطان الصّدق ، وقوّة اليقين ، فيأمرهم وينهاهم ، ولا يؤمّلون أبدا في أن يقبل منهم شيئا ؛ إذ كانت الشّبهات في عهده ـ فضلا عن الحرام ـ ظاهرة النّكارة ، فاحشة الملامة ، حتّى لقد كان مكّاس الدّولة الكثيريّة ـ المسمّى توفيقا ـ منبوذا مهانا ، وكثيرا ما يمرّ بجانب مدرسة طه بن عمر فيرميه صبيانها بالحجارة ، فلا يقدر على الدّفاع ، ولو دافع .. للقي أكبر.
وله محاسن ، وكان موته يوم الجمعة ، فأشكل ذلك على والدي ، فخفّ إلى الأستاذ الأبرّ فقال ـ قبل أن يبلع الرّيق ـ : أحوج النّاس إلى الجمعة : توفيق.
ثمّ صار أبناء السّادة اليوم يتسابقون إلى مثل وظيفته ، ويتنافسون فيها ، ويشمخون بأنوفهم ؛ ظنّا أن قد رفعت من أقدارهم.
وعلى الجملة : فكلّ ساعاته ذكر أو تذكير ، أو قراءة أو تدريس ، أو صلاة يستشعر حاضرها ـ بما يغشاه من الطّمأنينة والخشية ـ نزول السّكينة ، وشمول الرّحمة ، وحضور الملائكة.
__________________
(١) مرعش : حصن ببلد الرّوم من أعمال ملطية.