الخلود والبقاء الأبدي والسعادة السرمدية ، وذلك من خلال تنزيه النفس عن ارتكاب الخطايا ، وترويضها على معاني الفضيلة والعدالة ، ومجاهدتها عن الاستسلام لرغباتها المضادّة للشرع والعقل ، والعروج بها إلى سلّم الكمال الانساني والاطمئنان الروحي ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (١) .
وتلك القيم لا ينشدها الإنسان إلّا ليقينه بمعادٍ يثاب فيه على إحسانه ويعاقب على إساءته ، فهو يسيطر على نفسه بقوة عقيدته التي غرست في نفسه حبّ الفضيلة ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، ومنحته المناعة الكافية عن ارتكاب الخطايا والذنوب ، لما تخلّفه من ندامة وحسرة ومسؤولية كبرى في يوم الحساب .
ثمّ إن الاعتقاد بالمعاد ليس رادعاً عن إتيان القبائح وغشيان الخسائس وحسب ، بل إنه مُطمأنّ النفس وسَكَن الخواطر ومعتصم الاندفاعات ، وبه تمتدّ أشعة الأماني إلى ما لا نهاية ، ولا تقف الآمال إلّا عند غاية الحق والكمال ، حيث يصبح الانسان فاضلاً ، لا لأنّه يخاف العذاب أو يرجو الثواب ، بل لأنه يجد لذة الفضيلة أكبر من لذّة الرذيلة ، ويعبد الله تعالى لا بدافع الرهبة أو الرغبة ، بل لأنّه يرى الله تعالى أهلاً للعبادة ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : « إلهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ، ولا طمعاً في ثوابك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك » (٢) . وتلك عبادة الأحرار المخلصين والكرام المؤمنين .
__________________________
١) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٧ ـ ٣٠ .
٢) بحار الأنوار / المجلسي ٤١ : ١٤ / ٤ .