سياسة يؤمن معها
اختلافه ، واتخاذ مدينة يقرّ بها قراره ، ويتوجّه إليها ركونه وفراره ، إذا رابه
أضراره ، ويختزن بها أقواته التي بها حياته ، ويحاول منها معاشه الذي به انتعاشه.
فإن كان اتخاذها جزافا واتفاقا ، واجتزاء ببعض المآرب وارتفاقا ، تجاول شرّها
وخيرها ، وتعارض نفعها وضيرها ، وفضلها في الغالب غيرها ، وإن كان عن اختيار ،
وتحكيم معيار ، وتأسيس حكيم ، وتفويض للعقل وتحكيم ، تنافر إلى حكمها النفر ،
وأعمل السفر ، وكانت مساوئها بالنسبة إلى محاسنها تغتفر ، إذ وجود الكمال فاضح
للآمال ، ولله درّ القائل :
ومن ذا الذي
ترضى سجاياه كلّها
|
|
كفى المرء فضلا
أن تعدّ معايبه
|
وبحسب ذلك حدّث من
يعنى بالأخبار ينقلها ، والحكم يصقلها ، والأسمار ينتقيها ، والآثار يخلدها
ويبقيها ، والمجالس يأخذ صدورها ، والآفاق يشيم شموسها وبدورها ، والحلل يعرف
دورها ويأكل قدورها ، والطرف يهديها ، والخفيّات يبديها ، وقد جرى ذكر البلدان ،
وذكر القاصي والدان ، ومزايا الأماكن ، وخصائص المنازل والمساكن ، والمقابح
والمحاسن ، والطّيب والآسن.
قال : ضمّني الليل
وقد سدل المسح راهبه ، وانتهت قرصة الشمس من يد الأمس ناهبه ، ودلفت جيوشه
الحبشيّة وكتائبه ، وفتحت الأزهار بشطّ المجرّة كواكبه ، وجنحت الطيور إلى وكونها
، وانتشرت الطوّافات بعد سكونها ، وعوت الذئاب فوق هضابها ، ولوحت البروق ببيض
عضابها وباهت الكفّ الخضيب بخضابها ، وتسللت اللصوص لانتهاز فرصها ، وخرجت الليوث
إلى قسمها وحصصها ، في مناخ رحب المنطلق ، وثيق الغلق ، سامي السور كفيل بحفظ
الميسور ، يأمن به الذعر خائفه ، وتدفع معرّة السماء سقائفه. يشتمل على مأوى
الطريد ، ومحراب المريد ، ومرابط خيل البريد ، ومكاسع الشيطان المريد ، ذي قيّم
كثير البشاشة ، لطيف الحشاشة ، قانع بالمشاشة ، يروّج ويشي ، ويقف على ريب الأعيان وأعيان
__________________