حقول الحبوب في هذه البقاع تقدم صورة مناقضة للمظهر المجدب والموحش للسطح العام للسلسلة. تبدو المياه وفيرة ، وبعض أشجار الفواكه كبيرة الحجم. ويقوم المواطنون بصنع حزوز في العديد من ثمر الرمان الذي ينمو متجمعا في نفس الغصن ويضعون تحتها طوس كبيرة يستمر العصير بالسقوط فيها. وبعد ذلك يتم مزج العصير بعصير العنب لصنع الخمرة.
بعد أن هبطنا مضيقا آخر يصل إلى سبعمائة قدم ، وصلنا مدينة ثالثة تدعى (شيرازي). كانت الأراضي المحيطة بها غير مستوية وعلى درجة كبيرة من الوعورة حتى إننا لم نجد مكانا ننصب فيه خيمتنا. ولما كانت الليالي في هذا المرتفع شديدة البرودة ، فقد كنت تواقا إلى الحصول على بيت ليكون ملاذا لنا. وبعد أن تم اقتيادنا من بيت لآخر ، والسكان يرفضون السماح لنا بالدخول بحجة عدم وجود غرفة شاغرة ، عثرنا في نهاية المطاف على منزل صغير منخفض وقذر حيث مكثنا مع أمتعتنا. لم نجلس وقتا طويلا حتى ظهرت لنا امرأة عجوز ومعها قطيع من الخراف والماعز. واكتشفنا أن السكان أرشدونا إلى هذا البيت رغبة منهم في تسلية أنفسهم مع صاحبته السريعة الغضب. ولم يخب ظنهم ، إذ ما أن لمحت المرأة العجوز المتطفلين حتى انفجرت غاضبة وانتابتنا السعادة عند ما قفلنا راجعين بأمان. على الرغم من أن الإنهاك أخذ منا كل مأخذ ، إذ كنا قد سرنا طيلة النهار تقريبا ، وكنا غير مسرورين لأننا طردنا ، فإننا ما أن جلسنا تحت إحدى الصخور التي وقتنا من حدة الريح وأضرمنا النار لإعداد طعام العشاء ، حتى بدت لنا المسألة برمتها مسلية ورحنا نضحك من أعماق قلوبنا. إلا أن العربي الذي كان يعمل دليلا لنا لم يكن كذلك. ففي مثل حالتنا بدا من الواضح إنه يتعاطف معنا رغم أنه كان يبوح بالعكس. غير أن ذلك الرجل المؤمن حقا ، والشيخ الذي يتبعه خمسون رجلا ، كان لا يحتمل البتة أن يلقى مثل ذلك الإهمال والافتقار إلى حسن الضيافة. وبينما جلس يرتجف من شدة البرد ، انصبت لعناته العديدة المتنوعة على رؤوس «شاربي الخمر الكفار» ولا أدري كم مضى من الوقت وهو يستمتع على هذا النحو. وبعد أن جمعنا كل الملابس التي معنا واخترنا أكثر منطقة ناعمة استطعنا العثور عليها ، رحنا في نوم عميق.
في صباح اليوم الباكر تجمهر السكان من حولنا واستفسروا عن كيفية قضاء ليلتنا. ولما