مثل قلعة صرخد قال ابن تغري بردي في حوادث سنة (٤٦٦) وفيها بنى حسان ابن مسمار الكلبي قلعة صرخد. وكتب على بابها أمر بعمارة هذا الحصن المبارك الأمير الأجل مقدم العرب عز الدين فخر الدولة عدة أمير المؤمنين يعني المستنصر صاحب مصر. وذكر عليها اسمه ونسبه. ومثل قلعة حلب وإن كان تاريخها يردّ إلى أبعد من هذا القرن والمهم من أبنيتها بدأ في عهد الإسلام.
وقلعة حلب أفخم ما في الديار الحلبية من القلاع بنيت وسط المدينة على أكمة ربما كانت صناعية ، ويحيط بها خندق عظيم كان القدماء يملأونه ماء ليتعذر الوصول إليها إلا من مدخلها ، وهذا من أحسن ما يتصور العقل ، ويقال : إن حلب القديمة كانت كلها مبنية في هذه القلعة ، تعاورتها الأيدي بالبناء في قرون مختلفة وظلت مسكونة إلى سنة (١٨٢٢ م) أيام خربت بالزلازل. يسير الداخل إلى القلعة على جسر بديع أقيم فوق الخندق ، فيبلغ برجا خارجا جعل في واجهته أنواع من نوافذ الحديد البديع ، قيل : إنه من عهد الظاهر غازي ، لما وجد في مدخله من كتابة تاريخها سنة (٦٠٥) مع بعض الآيات الكريمة. وفي دهليز القلعة المتعرج عدة كتابات ونقوش بارزة على الحجر منها صورة نمرين على يمين الباب ويساره من أجمل ما زبرت أيدي النقاشين على الصخور. فإذا دخل المرء من الباب وجد ساحة وآثار عدة شوارع وركاما من الأنقاض ، بعضها أنقاض جامع ومأذنة ، وأخرى أنقاض أروقة ، وأخرى محال لرصد العدو ، وفي الوسط صهريج كبير ينزل إليه بمئة وخمس وعشرين درجة ، وكان بها دير للنصارى ويقال : إن في أساسها ثمانية آلاف عمود. تعاورها الملوك في الإسلام بالبناء والترميم. ومنهم الظاهر غازي الذي بنى على بابها برجين لم يبن مثلهما قط وجعل لها ثلاثة أبواب حديد. وكان كثير من ملوك حلب يسكنونها. وذكر الغزي أن في قلعة حلب آثار عدة مساجد وأنه كان فيها عشرة مساجد. قال الخالدي شاعر سيف الدولة في وصف هذه القلعة :
وخرقاء قد قامت على من يرومها |
|
بمرقبها العالي وجانبها الصعب |
يجر عليها الجو صيب غمامه |
|
ويلبسها عقدا بأنجمه الشهب |
إذا ما سرى برق بدت من خلاله |
|
كما لاحت العذراء من خلل الحجب |