من أخيار الصحابة فلم يسمع أن أحدا من الأمة لامه ، ولا طعن عليه طاعن في حد أقامه، إلى أن قال : إن من قتل له رفيق نفسا نهى الله تعالى عن قتلها وحرّمه ، وسفك دما حقنه الشرع المطهر وعصمه ، وصار بذلك ممن قال الله تعالى في حقه (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) أن ينزل عنه في الحال في جمع الفتيان عند تحققه لذلك ومعرفته، ويبادر إلى تغيير رفقته ، مخرجا له بذلك عن دائرة الفتوة ، وإن كل فتى يحوي قاتلا ويخفيه ، ويساعده على أمره ويؤويه ، ينزل كبيره عنه ، ويغير رفاقته ويتبرأ منه ، وإن من حوى ذا عيب فقد عاب وغوى ، ومن آوى طريد الشرع ضل وهوى ، فإن الفتى متى قتل فتى من حزبه سقطت فتوته. ووجب أن يؤخذ منه القصاص ، وإن قتل غير فتى عونا من الأعوان أو متعلقا بديوان في بلد سيدنا الإمام الناصر لدين الله فقد عيب هذا القاتل في حرم صاحب الحرب بالقتل ، فكأنما عيب على كبيرة فسقطت فتوته بهذا السبب. وسلم إلى كل واحد من رؤوس الأحزاب منشور بهذا المثال فيه شهادة اثنين من العدول ، فألزم الناس إجراء الأمر على ما تضمنه هذا المرسوم قائلين في تعهدهم ومتى جرى ما ينافي المأمور به المحدود فيه ، كان الدرك لازما لهم على ما يراه صاحب الحرب أي الخليفة. وهؤلاء الفتيان كانوا يغتالون كل من يخالفهم حتى أفتى الفقهاء بعد ذلك العصر بتحريم الفتوة وأنكروا نسبتها إلى علي بن أبي طالب وهي أشبه بجمعية فوضوية يعمد إلى تقويتها أيام الضعف.
الجيوش العثمانية :
لما جاء العثمانيون لفتح الشام كانت جيوشهم من العسكر المعروف ب (يكي «يني» چري) أي العسكر الجديد ، وقد حرف الشاميون والمصريون هذه التسمية بلفظ الإنكشارية ، وهو الجيش الذي ألفه السلطان أورخان بن عثمان باقتراح الوزير قره خليل جاندارلي على أن يؤلف من أولاد المسيحيين من العثمانيين كالبوشناق والروم والصرب والبلغار والألبان ، يجندون بحسب اللزوم وبموجب قانون التجنيد المعروف عندهم بقانون اللقطاء (دو شرمة) وذلك