الفراعنة فإنهم لم يفكروا إلا بما يفيد مصر وحدها. فالحاجة عند العرب كانت ماسة لربط الصلات بين جزيرتهم وما افتتحوا من الممالك الأخرى. وقد قام بهذه المهمة عمرو بن العاص أحسن قيام وتبعه في ذلك الخليفة العباسي هرون الرشيد. ولعدم وسائطهم الفنية الحديثة لم يتمكنوا من فتح ترعة عظيمة كالترعة الحالية وإن فكروا بها مليا ، ولما أشكل عليهم الأمر لم يحجموا عن جعل النيل واسطة الاتصال بين ممالكهم. وكان القصد من استعمال النيل هذه المرة الوصل بين البحر المتوسط والبحر الأحمر. وعلى هذا قاموا بإصلاح قناة الأقدمين التي تبتدئ من الزقازيق على النيل. وكانوا يأتون في سفنهم من الشمال ويدخلون في بحيرة المنزلة ثم في النيل ومن هناك يتبعون القناة التي أصلحوها إلى أن يدخلوا البحر الأحمر ومنه يتجهون نحو جزيرة العرب. وكانوا بهذه الصورة ينقلون من مصر ما يحتاجونه من الحنطة إلى جزيرتهم.
ويحدثنا التاريخ أن عمرو بن العاص نقل في هذه الترعة الحنطة من الفسطاط إلى القلزم (السويس) ومن هناك إلى جزيرة العرب عن طريق البحر الأحمر. وقد بقيت القناة صالحة للسير مدة من الزمن حتى جاء الخليفة المنصور العباسي وقام بطم هذا الطريق المفيد مخافة أن تنقل الذخائر إلى القائم بالحجاز إذ ذاك من أرض مصر. وعلى هذه الصورة انقطع حبل الوصل للمرة الأخيرة بين البحرين مدة ألف سنة ونيف. على أن فكرة اتصال البحرين ما زالت باقية منذ ذلك العهد وهي الفكرة التي لم يسبق أحد إليها. وكانت من الأعمال التي لا مندوحة للمدنية من تطبيقها. وجاء البنادقة قبل العرب بفتح ترعة لتضرر تجارتهم من افتتاح طريق رأس الرجاء الصالح ولكنهم لم يفلحوا. وفي سنة (١٦٤١) عرض لايبنيس العالم الرياضي الشهير على ملك فرنسا لويس الرابع عشر بأن يؤلف جيشا لافتتاح مصر ، وكان من جملة ما طلبه فتح هذه الترعة للوصول منها إلى الهند ، ولكن لم يتم شيء من هذا كما وقع ذلك للسلطان مصطفى الثالث العثماني الذي فكر أيضا بفتحها ، وكان الأمر كذلك مع علي بك زعيم المماليك الذي لم يكتب له النجاح أيضا. وقد ارتأى فتحها أيضا كولبر الشهير وكثير من وزراء لويس الخامس عشر ولويس السادس عشر.