نعم نحن على رأي صاحب «نتائج الوقوعات» من أن جميع الواقفين لم يكونوا على نسبة واحدة في تحصيل الثروة ، وقوله إن أكثرهم صالح يحتاج إلى نظر بليغ ، بل الأولى أن يقال : إن منهم الصالح الذي جمع أمواله من طرق مشروعة وجعلها قربة لمولاه لما اقترب من لقائه ، كأن يدخر المال ويقتصد فيه ويكون إقطاعه أو راتبه عظيما ، أو يرث من آبائه أو غيرهم أو يتجر ويزارع إلى غير ذلك من وسائط الاغتناء المشروع ، وفي سير بعض الأمراء والعلماء وبعض صدور الناس حوادث كثيرة تؤيد هذه القضية.
مضار الأوقاف :
وكيفما دارت الحال فإن الأوقاف على الصورة التي وصلت إليها في هذه الديار عامة كانت أو خاصة قد حملت في مطاويها من المضار ، أضعاف ما توقع واقفوها منها من المنافع ، وخصوصا الأوقاف الأهلية فإنها ضارة من كل وجه ، أما الأوقاف على وجوه البر والتقوى فليس في استطاعة أحد منعها ما دام المرء حرا بماله يصرفه كما يشاء.
وقد أدرك العثمانيون في العهد الأخير مضار الأوقاف الأهلية فقضوا بقسمتها إذا كانت صالحة للقسمة ، أو بيعها وتقسيم ثمنها بين الشركاء ، إن لم تكن كذلك بمجرد طلب أحد الشركاء ، وبذلك تخف مضرتها. على أن أوقاف الجوامع والمدارس وسائر القربات أيضا قد تخلص من ربقة الوقف بحيل يسمونها شرعية واخترعوا لها أسماء كالتحكير والاحترام والإجارتين والمرصد وأخرجوها بهذا العمل عن ملك الوقف إلى ملك خاص. وبهذا كانت تقل الأوقاف حينا وتكثر تارة أخرى ، وفي حلب اليوم ألف وأربعمائة وقف ينظر فيها ديوان الأوقاف ويبلغ ريعها مليوني قرش ما عدا الأوقاف الأهلية ، وكذلك الحال في دمشق والقدس وأوقاف كل بلد بحسب غناه ونفوسه.
منافع الأوقاف :
إن إخراج الزكاة عند المسلمين في القرون الأولى للإسلام ، ثم إنشاء المعاهد الدينية وغيرها في القرون الوسطى وما بعدها ، وحبس الأموال لإطعام