يخشى أن يؤسسوا أيضا دولة عربية جديدة ربما كانت عثرة في سبيل أماني تلك الحكومة في شبه جزيرة العرب.
ولو نظرنا إلى ما وقع لإبراهيم باشا في الشام لأول الفتح ، لم نره إلا قتالا مع العثمانيين أي قتال الجيش المصري مع الجيش العثماني ، وإذا كان في الجيش الذي دافع عن عكا أو عن دمشق أو يوم حمص مثلا أناس من الأكراد والهوارة فهؤلاء ليسوا شاميين وهم مستأجرون يحاربون مع كل من يعولهم ويرزقهم ، على نحو ما وقع لإبراهيم باشا من هذه الفئة ، أسرهم من صفوف الدولة ثم حولهم إلى صفوفه فأخذوا يقاتلون معه ، ولم يلتو القصد على إبراهيم باشا إلا لما دخلت أصابع الأجانب ، وأخذوا يثيرون عربان نابلس وسكان كسروان وجبال النصيرية ودروز لبنان ووادي التيم وجبل حوران وكل من عرفوا بالمضاء من سكان الجبال ، وأما المدن والسواد الأعظم من الناس فقد استقبلوه وأخلصوا له وشعروا بحسن إدارته ولا سيما المسيحيون والاسرائيليون وكلهم أدركوا الفرق بين حكومته وحكومة الترك.
ولقد تجلى في وقائع محمد علي في الشام تجليا لا مجال للريب فيه ، أن اختلاف المذاهب وتباين التربية ، كان من العوامل القوية في إلقاء الفتنة بين أبناء هذا الوطن ، وأن دول أوربا عند أغراضها تستحل بث بذور الشقاق بين المتآلفين ، وتستخدم وسائط غريبة في تكدير صفاء الآمنين ، وتعبث بعقول السّذّج المساكين ، وأنها قلما اهتمت لمصلحة أمة من أمم الشرق ، بل تهمها مصلحتها فقط ، ولو كانت تريد الخير للشام لتركته يسعد ويرقى بحكم محمد علي الذي كان بإقرار رجالها من أرقى ما عهده القطر منذ قرون ، ولعل أبناء الشام أيقنوا بخطإهم في الانتقاض على الحكومة المصرية وهي مثلهم عنصرا ولغة وعادات أنهم كانوا على ضلال في الحنين إلى حكم العثمانيين ، وما كان من حقهم أن ينسوا في سنين قليلة كيف كان حكامهم يسارعون في الإثم والعدوان. وكان على الشاميين منذ عهد المصريين أن يدركوا أن الدولة دب فيها دبيب الفساد ، وأن من العناء رياضة الهرم ، وأن الهرم إذا نزل في الدول لا يرتفع.