ونزل حسين باشا بعساكره في أحياء حلب خارج السور وأغلق نصوح باشا أبواب المدينة وسدها بالأحجار ، وفتح باب قنسرين وحرسه ، وقطع حسين باشا الماء عن حلب ومنع الميرة والطعام عن المدينة ، ونصب نصوح باشا المتاريس على الأسوار وصف عسكره عليها مع المكاحل ، وقامت بين الواليين حرب شعواء ، وأخذ حسين باشا في حفر الخنادق والاحتيال على أخذ البلدة ، وأنشأ نصوح باشا يحفر السراديب ، وعم الحلبيين البلاء من المبيت على الأسوار وحفر السراديب ، ومصادرة الفقراء والأغنياء كل يوم وليلة لطعام عسكر السكبان وعلوفاتهم ، وأغلقت الدكاكين وتعطلت الصناعات ، وحرقت الأخشاب للطعام والقهوة ، واشتد غلاء الحاجيات وعدم قوت الحيوان والإنسان واستمر الحصار نحو أربعة أشهر وأياما ، ثم تصالح نصوح باشا وحسين باشا فخرج الأول واستولى حسين باشا على الديار الحلبية ، وشحنها بالسكبان وصادر الأغنياء والفقراء لأجل علوفة السكبان.
ولما قتل حسين باشا خرج ابن أخيه علي عن طاعة السلطنة ، وجمع جمعا عظيما من السكبانية حتى صار عنده منهم ما يزيد على عشرة آلاف ، ومنع المال المرتب عليه ، وقتل ونهب في تلك الأطراف ، إلى أن تعهد ابن سيفا صاحب عكار للسلطنة بإزالة الأمير علي عن حلب فجمع له الجند من دمشق وطرابلس والتقى بابن جانبولاذ (جانبلاط) قرب حماة فكانت الغلبة على ابن سيفا ، فاستولى ابن جانبولاذ على مخيمه ومخيم عسكر دمشق واستولى ابن جانبولاذ على طرابلس ، واستخرج الأموال من أهلها وأخذ دفائن كثيرة لهم ، و
لم يستطع فتح قلعتها ، ثم سار مع حليفه ابن معن وكان هو وابن شهاب وابن الحرفوش خرب بعلبك وأحرق قراها ، وخرب ابن جانبولاذ البقاع ووصل إلى دمشق ، واقتتل ابن جانبولاذ مع العسكر الدمشقي فانفل العسكر الدمشقي وأرضوا ابن جانبولاذ بمال حتى فرج عن دمشق ، واستمر النهب في أطرافها ثلاثة أيام ، ثم سار إلى حلب وجاءته الرسل من السلطنة تقبح عليه فعله في دمشق ، فكان تارة ينكر فعلته ، وطورا يحيل الأمر على عسكر دمشق ، ويشرع بسد الطرق ويقتل من يعرف أنه سائر إلى أطراف السلطنة لإبلاغ ما صدر منه ، حتى أخاف الخلق ونفذ حكمه من أدنة إلى نواحي غزة ، وصاهر ابن سيفا